## الثعلب المكار والماعز الطيبة: درسٌ في الخداع والشفقة
في غابةٍ خضراءٍ وارفة، حيث تتراقص أشعة الشمس
على أوراق الشجر الزمردية، عاش ثعلبٌ مكارٌ يشتهر بذكائه وحيله، واشتهرت ماعزٌ
طيبةٌ بسذاجتها وطيبتها.
كان الثعلبُ يبحثُ عن الماءِ لِيروِيَ عطشَه،
فزارَ الكثيرَ من البِئْرِ، إلا أنّه لم يجدْ ما يروي ظمأَه. وُضِعَ في موقفٍ صعبٍ، إذ لم يعدَ لديهُ ما
يفعلهُ سوى أنْ يَستسلمَ للعطشِ.
فجأةً، رأىَ بِئْرًا عميقًا، مليئًا بالماءِ
العذبِ، فقفزَ بفرحٍ لِيشربَ من الماءِ المنعشِ.
ولكنَّهُ لِسوءِ حظهِ، زَلَّ وقَعَ في البِئْرِ.
حاولَ الثعلبُ جاهدًا الخروجَ من البِئْرِ، ولكنَّهُ لم يستطعْ الوصولَ إلى الحافةِ. كانتْ جدرانُ البِئْرِ عاليةً للغاية، ولم يجدْ
أيَّ شيءٍ يُمكنُ أنْ يُمسكَ بهِ ليخرجَ من هذا المأزقِ.
وبينما كانَ الثعلبُ يُحاولُ الخروجَ، سمعَ صوتَ خطواتٍ تقتربُ من البِئْرِ. رفعَ رأسهُ ونظرَ لأعلى، ورأىَ ماعزًا طيبةً
تقتربُ من البِئْرِ، بحثًا عن الماءِ
أيضًا.
## الثعلب المكار والماعز الطيبة: درسٌ في الخداع والشفقة
قالتْ الماعزُ للثعلبِ: "أَشْهَدُ
أنَّ هناكَ ماءً في
الْبِئْرِ؟".
لم يُضيعْ الثعلبُ الفرصةَ، ففكّرَ في خطةٍ خبيثةٍ لِيخرجَ من البِئْرِ،
وقالَ لِلمَاعِزِ بِمكرٍ
وخبثٍ: "نعم، هناكَ كثيرٌ
من الماءِ العذبِ
المنعشِ، تَكْفِي لِكِ
وَلِي. ولكنَّكِ يَجِبُ
أَنْ تَقْفِزِي في
الْبِئْرِ لِتَصْلِي إلى
الماءِ، لأَنَّهُ مَوْجُودٌ
في أَسْفَلِ الْبِئْرِ".
شعرتِ الماعزُ بِالفرحِ كبيرٍ
، لِأَنَّهُ
لم تَكُنْ تُريدُ
أَنْ تَسْعَ لِشُرْبِ
الماءِ، فَقَفَزَتْ فِي
الْبِئْرِ دُونَ أَنْ
تُفَكِّرَ في عَوَاقِبِ
الْفِعْلِ الَّذِي فَعَلَتْهُ
وَمَاذَا يَنْتَظِرُهَا بِالْأَسْفَلِ، كُلُّ
مَا فَكَّرَتْ فِيهِ
هُوَ كَيْفَ تُرَوِي
عَطَشَهَا.
بمجردِ
أَنْ قفزتِ المَاعِزُ
داخِلَ الْبِئْرِ، اسْتَغَلَّ
الْثَعْلَبُ الْمَكَارُ الْفُرْصَةَ
وَقَفَزَ عَلَى ظَهْرِهَا.
هَكَذَا تَمَكَّنَ مِنْ
الْخُرُوجِ مِنْ الْبِئْرِ،
فَقَالَتْ لَهُ الْمَاعِزُ
الطَّيِّبَةُ: "انْتَظِرْنِي
حَتَّى أُرَوِّي ظَمَئِي،
ثُمَّ سَاعِدْنِي عَلَى
الْخُرُوجِ أَيْضًا مِثْلَمَا
سَاعَدْتَكَ".
نَظَرَ
إِلَيْهَا الْثَعْلَبُ قَائِلًا: "لا يُوجَدُ
لَدَيَّ وَقْتٌ حَتَّى
أَنْتَظِرَكَ كُلَّ هَذِهِ
الْمُدَّةِ". ثُمَّ تَرَكَهَا
وَذَهَبَ بَعِيدًا دُونَ
أَنْ يُسَاعِدَهَا.
بَقِيَتْ الْمَاعِزُ الطَّيِّبَةُ داخِلَ الْبِئْرِ
تَنْتَظِرُ مِنْ
أَحَدِ أَصْدِقَائِهَا الْحَيَوَانَاتِ أَنْ
يُسَاعِدَهَا، وَلَكِنَّ هَلْ
سَتَتَمَكَّنُ مِنْ الْخُرُوجِ
مِنْ الْبِئْرِ دُونَ
أَنْ تُفَكِّرَ بِخُطَطٍ
مَاكِرَةٍ كَالْثَعْلَبِ أَمْ
سَيُسَاعِدَهَا أَحَدُ الْحَيَوَانَاتِ دُونَ
أَنْ تَقُومَ بِخِدَاعِهِ؟
الْمَاعِزُ
الطَّيِّبَةُ،
بِسَذَاجَتِهَا، لم تُفَكِّرْ
في أَنَّ الْثَعْلَبَ
يُمكنُ أَنْ يَخْدَعَهَا
وَيُتْرُكَهَا فِي الْبِئْرِ.
فَقَفَزَتْ دُونَ تَرَدُّدٍ،
وَثَقَتْ بِوَعْدِ الْثَعْلَبِ
الْمَكَارِ.
وَلَكِنَّ
الْثَعْلَبَ لم يَكُنْ
يُريدُ سوى نَجَاتِهِ
هُوَ. فَقَفَزَ عَلَى
ظَهْرِ الْمَاعِزِ وَخَرَجَ
مِنْ الْبِئْرِ دُونَ
أَنْ يُلْتَفِتَ إلى
مَصِيْرِ الْمَاعِزِ الَّتِي
سَاعَدَتْهُ.
حَتَّى
الآنَ، تَظَلُّ الْمَاعِزُ
الطَّيِّبَةُ حَبِيسَةَ الْبِئْرِ
دُونَ أَيِّ أَمَلٍ
في النَّجَاةِ. وَلَكِنَّ
قَلْبَهَا الطَّيِّبَ يَأْبَى
أَنْ يَيْأَسَ. فَتَصْلُو
إلى اللّهِ عَزَّ
وَجَلَّ، تَدْعُوهُ أَنْ
يُخَلِّصَهَا مِنْ هَذَا الْمَأْزَقِ.
فَجَاءَ
أَحَدُ الْحَيَوَانَاتِ الَّذِي
تَوَازَنَ بَيْنَ الْخُدَاعِ
وَالْحَكْمَةِ. كَانَ ذَلِكَ
الْحَيَوانُ غرابًا ذَكِيًّا
يَشْهَدُ مَشْهَدَ خِدَاعِ
الْثَعْلَبِ. وَلَكِنَّ ذَكَاءَهُ
وَحَكْمَتَهُ خَلَصَاهُ مِنْ
الْوَقُوعِ فِي مَشْهَدِ
الْخِدَاعِ.
فَقَالَ
الْغرابُ لِلمَاعِزِ: "يَا مَاعِزَ
الطَّيِّبَةِ، لا تَقْنَطِي،
فَإِنَّ اللّهَ سَوْفَ
يُخَلِّصُكِ. إِذْهَبِي إِلَى
حَافَّةِ الْبِئْرِ وَاطْلُبِي
مِنَّا أَنْ نُسَاعِدَكِ
فِي الْخُرُوجِ".
فَفَعَلَتْ
الْمَاعِزُ الطَّيِّبَةُ كَمَا
قَالَ الْغرابُ لَهَا.
وَحَتَّى تُثْبِتَ لَهَا
صِدْقَهُ وَحَكْمَتَهُ، ذَهَبَ
الْغرابُ إِلَى شَجَرَةٍ
قَرِيبَةٍ وَجَمَعَ بَعْضَ
الْحَجَارَةِ الْصَّغِيرَةِ وَأَلْقَى
بِهَا فِي الْبِئْرِ.
وَحَدَّثَ نَفْسَهُ: "سَأُسَاعِدُ هَذِهِ
الْمَاعِزَ الطَّيِّبَةِ لِأَنَّ
اللّهَ يَأْمُرُنَا بِمُسَاعَدَةِ
الْمُحتاجين".
وبِفَضْلِ
هَذِهِ الْحَجَارَةِ، ارتفعتِ
مُسْتَوَى الماءِ فِي
الْبِئْرِ. وَحِينَ أَصْبَحَ
مُسْتَوَى الماءِ قَرِيبًا
مِنْ حَافَّةِ الْبِئْرِ،
تَمَكَّنَتْ الْمَاعِزُ الطَّيِّبَةُ
مِنْ الْخُرُوجِ مِنْ
الْبِئْرِ بِسَلاَمَةٍ.
وَحِينَ
خَرَجَتْ الْمَاعِزُ الطَّيِّبَةُ
مِنْ الْبِئْرِ، شَكَرَتْ
الْغرابَ عَلَى مُسَاعَدَتِهَا، وَأَخْبَرَتْهُ بِقِصَّةِ
خِدَاعِ الْثَعْلَبِ. وَقَالَتْ
لَهُ: "إِنَّ اللّهَ سَوْفَ
يَجْزِي الْثَعْلَبَ مَكَارًا
عَلَى خِدَاعِهِ، وَيُجْزِيْكَ
أَيْضًا خَيْرًا عَلَى
حَكْمَتِكَ وَطِيْبَةِ قَلْبِكَ".
فَأَجَابَ
الْغرابُ: "إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ
الْمُحْسِنِينَ، وَسَيَجْزِي كُلَّ
نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ".
فِي
نِهَايَةِ الْقِصَّةِ، تَتَبَيَّنُ
لَنَا أَنَّ الْخَيْرَ
يَفْتَحُ أَبْوَابَ النَّجَاةِ
وَالْفَرَحِ، وَأَنَّ الْخَدَاعَ
يَؤَدِّي إلى الْهَلاكِ
وَالْعُقُوبَةِ. وَتَتَعَلَّمُ الْمَاعِزُ
الطَّيِّبَةُ دَرْسًا مُهِمًّا
فِي الْحَيَاةِ، أَنَّ
الْثَّقَةَ بِالْغَرَبَاءِ تُؤَدِّي
إلى الْخَيْبَةِ وَالْأَلَمِ،
وَأَنَّ اللّهَ يَحْفَظُ
الْمُؤْمِنِينَ بِحَكْمَتِهِ وَرَعَايَتِهِ.