recent
أخبار ساخنة

أبو نوّاس: شاعر الخمر وعالمه المُتَخيّل

الصفحة الرئيسية

 

         

أبو نوّاس: شاعر الخمر وعالمه المُتَخيّل

يُعَدّ أبو نوّاس -الحسن بن هانئ- أحد أبرز شعراء العصر العباسيّ، ويشتهرُ بأشعاره التي تَغَنّى فيها بالخمر، فصُنّفَ شاعرَ الخمرِ. وُلد في مدينة أُحْوَذَة في فارس، ثم انتقل إلى بغداد، عاصمة الدولة العبّاسية، وأصبح من أبرز شعرائها. عاش في زمن ازدهار العلوم والفنون، وامتزج عالمه بالترفِ واللهو، مما جعل خيالَه يتوهّج بالصور والأفكار الملهمة.


أبو نوّاس: شاعر الخمر وعالمه المُتَخيّل

أبو نوّاس: شاعر الخمر وعالمه المُتَخيّل


 

وُضع أبو نوّاس في زمنٍ كانت فيه الخمرُ تُعَدّ رمزًا للجمالِ والبهجةِ والخلاصِ من هموم الحياة. كانت تُقدّم في مجالس الأمراءِ والنُّبلاء، وُصُفّت في شعرِ العصرِ كَأنّها سحرٌ يُخليّ الروح من عَثراتِها وتُقربها من روح الكون الواسعة. لم يكن أبو نوّاس

من أوائل من غنى بالخمرِ في الشعرِ، بل كانت الخمرياتُ تُمثّلُ نوعًا من أنواعِ الشعرِ العربي قَبلَ عَصرِه، ولكن هو من أعطى هذا النّوع من الشعرِ ضخامةً و عمقًا كَأنّه كان يُريدُ أن يُخلّصَ الخمر من فِخ التّصوّرِ السّطحيّ للُّذةِ والحُبِّ وأن يُظهرَ لنا أسرارها و أبعادها الفيّلسوفيّة.

 

 

الخمريات: عالم الخمر المُتخيّل

كان أبو نوّاس يرى في الخمرِ رمزًا للّذةِ و للّحظاتِ الجميلةِ التي تُخلّصُ الروح من قيدِ الواقعِ القاسي. استطاع بأشعاره أن يُجسّد تجربةَ السهُرِ و الخمورِ و مجالسِ اللّذة و الجمال بشكلٍ فريدٍ، فهو لم يُغني بالخمرِ كَأنّها مجردَ مشروبٍ، بل كان يُرى فيها رمزًا للّحظاتِ الخاصّةِ التي تُخلّصُ الروح من قيدِ الهمومِ و تُعطيها فرصةً لِلتّفكيرِ في الكونِ و أسراره.

 


صور من عالمه:

وصف الخمر: استطاع أبو نوّاس أن يُجسّد أشكالَ الخمرِ و أصنافها و مذاقها و رائحتها في أشعاره بأسلوبٍ جميلٍ، و استخدم الصورَ الجمالية لِتُجسّد اللّذةِ التي يُقدّمها هذا المشروبُ.


 

مجالس الخمر: وصَف أبو نوّاس مجالسَ الخمرِ بِتفصيلٍ، مُجسّدًا الأجواءَ و الطقوسَ التي تُمارسُ فيها، و الّذين يُشاركون فيها من أمراءِ و شعراءَ و فنانين.

 

 

تأثير الخمر على النفس: لم يَخفِ أبو نوّاس الّتأثيرَ الّذي تُحدثه الخمر على النّفسِ، من نشوةٍ و فرحٍ و تأمّلٍ في الكونِ و أسراره. ولكنّه لم يُخفّ أيضًا عن الّتأثيراتِ السّلبيةِ الّتي تُحدثها الخمر مثل الإدمانِ و التّوهّمِ و الضّياع.

الخمر كَرمزٍ لِلسّعادة: كان أبو نوّاس يُرى في الخمرِ رمزًا لِلسّعادةِ و الّلحظاتِ الجميلةِ التي تُعطي الحياةَ معنىً و قيمةً. استطاع أن يُجمّل الّحياةَ بِأشعاره، و أن يُسلّطَ الّضوءَ على الّجمالِ و الّحياةِ الّتي تُخفيها الّواقعُ المؤلمُ.

 

 

ثورة على التقاليد:

لم يكن أبو نوّاس مجردَ شاعرٍ يُغني بالخمرِ بِشكلٍ سَطحيٍّ، بل كان يُمثّل ثورةً على التّقاليدِ و الّعاداتِ الّتي تَمنع الإنسان من الّتمتعِ بِالّحياةِ و الّجمالِ. كان يرى أنّه لا يُمكن الإنسانُ أن يُصبح سعيدًا إلاّ بِتَحطيمِ حواجزِ الّتقاليدِ و الّعاداتِ الّتي تُقيدُ خيالَه و تُمنعُ روّحَه من التّحرّرِ.

 

 

أبعاد فلسفية:

وُصَف أبو نوّاس بِأنّه شاعرٌ "فيّلسوفٌ" لِأنّه لم يُقتصر في أشعاره على الّوصفِ الّجماليّ لِلحياةِ و الّخمرِ، بل ذهب إلى الّتفكيرِ في معنى الّوجودِ و الّحياةِ و الّموتِ. تَغلغل في الّأسئلةِ الّفلسفيّةِ الّتي تُراودُ الّإنسانَ مثل معنى الّسعادةِ و الّجمالِ و الّموتِ.

 

 

تُراثه:

يَظَلّ أبو نوّاس أحدَ أهمّ شعراءِ العصرِ الّعباسيّ، و تُراثه الّشعريّ مُلهمٌ لِلعُصورِ الّلاحقة. كان أحدَ الّذين أثّروا في تَطوّر الّشعرِ الّعربيّ و أدبِه ، و كان مُلهمًا لِلكثيرِ من الّشعراءِ الّذين جاءوا من بعدِه.

 

 

الإشكالية:

يبقى الّجدل مُستمرًا حولَ أبو نوّاس و أشعاره، و ذلك بِسببِ مُجتمعِ الّزمانِ الّذي كان مُنحّلًا و مُعادٍ لِلحياةِ الّروحيّةِ و الّجمالِ. فَكان أبو نوّاس يُنظرُ إليه كَأنّه شاعرٌ لِلمُجونِ و الّشربِ و الّلّذةِ. ولكن يُمكن لنا أن نُنظرَ إلى أشعاره من زاويةٍ أُخرى، فَنَرى فيها ثورةً ضدّ التّقاليدِ الّقديمةِ و الّضّوابطِ الّاجتماعيّةِ و الّتي تُمنعُ الّإنسانَ من الّتمتعِ بِالّحياةِ و الّجمالِ.

 

 

الخاتمة:

يبقى أبو نوّاس شاعرَ الّخمرِ الّذي يُجسّدُ الّجمالَ و الّلّذةَ في أشعاره، و يُعطي للحياةِ معنىً و قيمةً. وُصَف بِأنّه "شاعرٌ فيّلسوفٌ" لِأنّه لم يُقتصر على الّوصفِ الّجماليّ، بل ذهب إلى الّتفكيرِ في الّوجودِ و الّحياةِ و الّموتِ. و يبقى إرثه الّشعريّ مُلهمًا لِلعُصورِ الّلاحقة، و يُثير الّجدل حَولَه و أشعاره.


author-img
Tamer Nabil Moussa

تعليقات

ليست هناك تعليقات

    google-playkhamsatmostaqltradent