ساق البامبو: رحلة بحث عن الهوية والانتماء

تُعد رواية "ساق البامبو" للكاتب الكويتي سعود السنعوسي، الصادرة عام 2012، تحفة أدبية تسلط الضوء على قضايا الهوية والانتماء، والظلم الاجتماعي، والتحديات التي تواجه الأفراد الذين يعيشون على هامش المجتمع. تدور أحداث الرواية حول عيسى الطاروف، وهو شاب كويتي من أم فلبينية، يجد نفسه عالقًا بين عالمين، غير قادر على الانتماء لأي منهما بشكل كامل

ساق البامبو: رحلة بحث عن الهوية والانتماء

.

ميلاد في الظل وترحيل إلى المجهول

تبدأ قصة عيسى بولادة غير شرعية من علاقة سرية بين راشد، الشاب الكويتي من عائلة ثرية، وجوزفين، الخادمة الفلبينية. يُجبر زواجهما السري على الانفصال بعد اكتشافه من قبل عائلة راشد، ويتم ترحيل جوزفين وابنها عيسى إلى الفلبين. يكبر عيسى في بيئة فقيرة، محرومًا من حنان الأب ومعرفة جذوره الكويتية. تغذي والدته ذاكرته بحكايات عن والده وعن الكويت، أرض الثراء والفرص، بينما يظل شبح الرفض والعار يلاحقه

 

.

العودة إلى الوطن والصدام مع الواقع

تدفع رغبة الأم في أن يعيش ابنها حياة أفضل ورغبة عيسى في التعرف على جذوره إلى عودته إلى الكويت. هناك، يصطدم بواقع مرير، حيث يواجه رفضًا قاسيًا من عائلة والده بسبب مظهره الفلبيني ووضعه الاجتماعي كابن خادمة. تخشى عائلته من الفضيحة وتأثيرها على سمعتهم ومكانتهم الاجتماعية. يجد عيسى نفسه يعيش في عزلة، محصورًا في العليّة المخصصة للخدم، يعاني من الوحدة والتمييز

 

.

بين القبول والرفض: صراع داخلي وخارجي

على الرغم من الرفض العام من عائلته، يجد عيسى بعض العطف والحنان من عمته غنيمة، التي ترى فيه ابن أخيها وتعاني من الظلم الذي يواجهه. إلا أن خوف عمتة الأخرى، هند، من الفضيحة وحرصها على سمعة العائلة يدفعها إلى محاربته ومحاولة إبعاده بكل السبل. يصبح عيسى ضحية لصراع داخلي وخارجي، يحاول جاهدًا إثبات هويته الكويتية والاندماج في المجتمع، لكنه يصطدم بجدار التمييز والرفض المستمر

 

.

الهروب إلى الذات وبناء حياة جديدة

بعد محاولات عديدة فاشلة للاندماج في المجتمع الكويتي، يقرر عيسى العودة إلى الفلبين، حاملًا معه خيبة أمل كبيرة وندوبًا نفسية عميقة. في الفلبين، يعتنق الإسلام ويتزوج من ابنة خالته، ويبدأ في بناء حياة جديدة بعيدًا عن صراعات الهوية والانتماء. يجد في عائلته الجديدة الدفء والحب الذي افتقده طوال حياته. وعلى الرغم من أنه لم ينجح في أن يكون كويتيًا، إلا أنه يجد السلام الداخلي والقبول في هويته الفلبينية

 

.

قضايا اجتماعية وإنسانية في عمق الرواية

تتجاوز رواية "ساق البامبو" قصة عيسى الشخصية لتطرح قضايا اجتماعية وإنسانية مهمة، منها:

الهوية والانتماء: تُبرز الرواية التحديات التي تواجه الأفراد الذين ينتمون إلى ثقافات وخلفيات مختلفة، وصعوبة إيجاد مكان لهم في مجتمعات تتسم بالتعصب والتمييز.

الظلم الاجتماعي: تسلط الرواية الضوء على معاناة العمالة المهاجرة في دول الخليج، والتمييز الذي يتعرضون له بسبب طبقتهم الاجتماعية وخلفياتهم الثقافية.

حقوق الإنسان: تثير الرواية تساؤلات حول حقوق الأطفال المولودين خارج إطار الزواج، والذين غالبًا ما يعانون من الحرمان من الحقوق الأساسية والتمييز الاجتماعي.

الأسرة وتأثيرها: تتناول الرواية دور الأسرة في تشكيل هوية الفرد وتأثيرها على حياته، سواء بالدعم والحب أو بالرفض والإقصاء

 

.

أسلوب السرد وروعة اللغة

تتميز "ساق البامبو" بأسلوب سردي متقن ولغة شاعرية آسرة. ينتقل السرد بسلاسة بين الماضي والحاضر، وبين الكويت والفلبين، ليرسم صورة واضحة وحية لعالم عيسى الداخلي والخارجي. يستخدم الكاتب لغة غنية بالصور والاستعارات، مما يضفي على الرواية عمقًا عاطفيًا كبيرًا

 

.

الخلاصة: دعوة للتأمل

تُعد "ساق البامبو" أكثر من مجرد قصة شخصية، فهي مرآة تعكس واقعًا اجتماعيًا وإنسانيًا معقدًا. تدعو الرواية القارئ إلى التأمل في قضايا الهوية والانتماء، والظلم الاجتماعي، وحقوق الإنسان. كما تحثنا على التعاطف مع أولئك الذين يعيشون على هامش المجتمع، وتذكرنا بأهمية التسامح والقبول.