recent
أخبار ساخنة

# تحليل معمق: كيف مهد الفكر التنويري الغربي والثورة الموسوعية للثورة الفرنسية؟ قراءة في كتاب جون مورلي عن دينيس ديدرو

الصفحة الرئيسية

 

# تحليل معمق: كيف مهد الفكر التنويري الغربي والثورة الموسوعية للثورة الفرنسية؟

 قراءة في كتاب جون مورلي عن دينيس ديدرو

 

يُعدّ عصر التنوير في القرن الثامن عشر اللحظة التاريخية التي تفتقت فيها بذور العقلانية والحداثة، دافعةً المجتمع الأوروبي نحو تحولات جذرية بلغت ذروتها في الثورة الفرنسية عام 1789. لفهم الأساس العميق لهذه الثورة، لا بد من الغوص في التراث الأدبي والثقافي الذي صاغته نخبة من المفكرين والفلاسفة الذين تحدوا سلطة الكنيسة والملكية المطلقة. وفي هذا السياق، يأتي كتاب "دينيس ديدرو والحركة الموسوعية" للمفكر الإنجليزي جون مورلي (1838 – 1923)، ليرسم صورة دقيقة للركائز الفكرية التي انهارت تحت وطأتها أسوار النظام القديم.

يُعدّ عصر التنوير في القرن الثامن عشر اللحظة التاريخية التي تفتقت فيها بذور العقلانية والحداثة، دافعةً المجتمع الأوروبي نحو تحولات جذرية بلغت ذروتها في الثورة الفرنسية عام 1789. لفهم الأساس العميق لهذه الثورة، لا بد من الغوص في التراث الأدبي والثقافي الذي صاغته نخبة من المفكرين والفلاسفة الذين تحدوا سلطة الكنيسة والملكية المطلقة. وفي هذا السياق، يأتي كتاب "دينيس ديدرو والحركة الموسوعية" للمفكر الإنجليزي جون مورلي (1838 – 1923)، ليرسم صورة دقيقة للركائز الفكرية التي انهارت تحت وطأتها أسوار النظام القديم.
# تحليل معمق: كيف مهد الفكر التنويري الغربي والثورة الموسوعية للثورة الفرنسية؟ قراءة في كتاب جون مورلي عن دينيس ديدرو


# تحليل معمق: كيف مهد الفكر التنويري الغربي والثورة الموسوعية للثورة الفرنسية؟ قراءة في كتاب جون مورلي عن دينيس ديدرو

  • يتخذ مورلي، الذي اشتهر بكونه "آخر الليبراليين العظماء"، من دينيس ديدرو (1713- 1784)
  •  وفلسفته، نقطة ارتكاز لربط خيوط قرن كامل من الثقافة والأدب في أوروبا الحديثة. هذا الكتاب، الذي
  •  يختتم سلسلة دراسات لمورلي عن التمهيد الفكري للثورة الفرنسية (تضمنت مجلدين سابقين عن
  •  فولتير وروسو)، لا يكتفي بعرض النصوص، بل يعتمد على المنهج الوصفي التفصيلي لشخصية
  •  ديدرو ودائرته الثقافية، مفترضاً أن القارئ بحاجة ماسة لمعرفة تفاصيل هذه الشخصية المحورية التي
  •  مثلت مركز الثقل في التمرد على الجمود

## 1. المثقف التنويري في مرمى الاضطهاد المشهد الفرنسي قبل 1789

 

يُقدم مورلي في كتابه، الذي تمت ترجمته إلى العربية على يد كرم عباس (مدرس الفلسفة بجامعة القاهرة)، وصفاً مؤثراً لحال الأديب والمفكر في أوروبا، وخاصة فرنسا، خلال القرن الثامن عشر. لم يكن مسار التنوير سهلاً؛ فقد عاش ديدرو وزملاؤه في ظل البؤس والشقاء، يتعرضون لاضطهاد المؤسسة الدينية وملاحقة أجهزة السلطة الزمنية.

 

كانت هذه المرحلة تمثل "ملابسات التحول من الثقافة المدرسية القديمة إلى حالة الحداثة والعقلانية". هذا التحول لم يكن مجرد انقلاب فكري، بل كان انقلاباً اجتماعياً أيضاً:

 

1.  **التحول من التجريد إلى الواقع:** انتقلت الفلسفة والأدب من التركيز على المشكلات اللاهوتية والتجريدية إلى المشكلات الواقعية الملموسة التي تلامس حياة الناس.

2.  **صعود المثقف العام:** حلت صورة "المثقف المهموم بمشكلات مجتمعه" محل الصورة التقليدية لـ"رجل اللاهوت المنخرط في مشكلاته النظرية المجرَّدة".

3.  **دور فساد الكنيسة:** كان فساد رجال الدين وانتشار ممارساتهم الضالة هو الوقود الذي أجج الاستياء الشعبي على نطاق واسع، مما جعل الساحة مهيأة لاستقبال الأفكار الفلسفية الثورية التي تدعو إلى التغيير.

 

من خلال تفحص حياة ديدرو – تعليمه اليسوعي المبكر، انشقاقه اللاحق، تجواله في شوارع باريس، أزمات النشر، وزواجه التعيس – يرسم مورلي خريطة للمجتمع الفرنسي الذي كان ينخر فيه الظلم الفكري والاجتماعي، مبيناً كيف كانت الخلفية الاجتماعية والاقتصادية تعمل كبيئة خصبة لازدهار المبادئ التنويرية.

 


 

## 2. ديدرو في مقارنة الثالوث بين العاطفة والعقل والمنهج

 

كان عصر التنوير الفرنسي يرتكز على ثالوث فكري ضخم: فولتير، روسو، وديدرو. يميز مورلي بين هؤلاء القادة الثلاثة بناءً على أدواتهم الفكرية:

 

*   **جان جاك روسو:** كان مدفوعاً أساساً بالعاطفة والمشاعر المتدفقة، وكان صوته يمثل التوق إلى الطبيعة والبراءة المفقودة.

*   **فولتير:** كان سيد العقلانية اللامعة والفذة، يتمتع بقدرة استثنائية على السخرية والنقد اللاذع للسلطة والجهل.

*   **دينيس ديدرو:** كان مختلفاً جذرياً. يرى مورلي أنه "الوحيد من بين هذا الثالوث الشهير، الذي كان يحمل في ذهنه فكرة عن المنهج العلمي، وهو الوحيد الذي أظهر شعوراً تجاه عقيدة معينة، وبمفاهيم عضوية وتكوينية واسعة النطاق".

 

على الرغم من أن ديدرو ربما كان أقل موهبة من فولتير وروسو في قدرته المباشرة على التعبير الأدبي الساحر، إلا أنه تفوق عليهما في "اتساع وواقعية المبدأ الفني". لقد أسس ديدرو "مدرسة طبيعية واقعية وجدانية في النقد الأدبي"، ساعياً لفرض أشكال جديدة من الدراما تستدعي "الأنماط الفنية للمدرسة الكلاسيكية داخل وقائع الحياة العامة". هذا التوجه الواقعي المنهجي هو ما وحد روحه الفنية مع ميله الفلسفي، ووضعه بين المتأملين العظماء والحقيقيين للطبيعة الإنسانية والوجود البشري.

 

 

## 3. "الموسوعة" مشروع بيكون الذي تحدى السلطة

 

كانت "الحركة الموسوعية" (Encyclopédie) هي المشروع الجامع والعبء الأكبر في حياة ديدرو، وهي تمثل فعلياً قمة الصدام بين الفكر الجديد والسلطة التقليدية. يشدد مورلي على أن أصل الفضل في فكرة الموسوعة يعود إلى الفيلسوف الإنجليزي **فرنسيس بيكون**، وما طرحه عن التصنيف المنهجي للمعرفة، وهو ما ألهم ديدرو ووجهه.

 

  1. في عام 1750، تم الإعلان عن الموسوعة، وبصدور المجلد الأول في 1751، أدرك رجال الدين
  2.  وعلى رأسهم اليسوعيون، الخطر المحدق بمشروعهم السلطوي. لم تكن الموسوعة مجرد مجموعة
  3.  مقالات؛ بل كانت سلاحاً فكرياً يتصاعد في مواجهة معسكرهم اللاهوتي.

 

### الصراع والمحنة الموسوعية

 

سرعان ما تحركت الأرثوذكسية لتحريك حليفتها: السلطة الزمنية. كان ديدرو يعاني محنة حقيقية:

 

1.  **الحظر الرسمي:** في مارس 1759، أصدر مجلس الدولة مرسوماً يقضي بحظر المجلدات السبعة المطبوعة بالفعل وحظر طباعة أي مجلدات أخرى في المستقبل.

2.  **المفارقة الساخرة:** اضطر ديدرو إلى تسليم كل أوراقه ومسوداته للسلطات، وعندما عجز أعداؤه عن فك شفرات المواد، اضطرت الحكومة إلى اللجوء إلى ديدرو ودي لمبير لاستئناف العمل الذي عجزوا عن إنجازه.

3.  **العمل الفردي:** بعد تخلي دي لمبير عن المشروع، وقع عبء إدارته بالكامل على ديدرو وحده لمدة سبع سنوات، حيث كان يقوم بالكتابة والتحرير وتوزيع الموضوعات على أربعة آلاف مشارك تقريباً، ومراجعة المسودات والإشراف على الرسومات، في ظل خوف دائم من الاعتقال.

4.  **خيانة الناشر:** بلغت محنة ديدرو ذروتها عندما استولى الناشر لو بريتون على متن عشرة مجلدات (في عام 1765) وشرع في **تقليص وحذف وقمع** كل فقرة أو عبارة قد تثير غضب الحكومة، ثم أحرق جميع المخطوطات والمسودات الأصلية ليردع أي محاولة للمراجعة أو المقارنة.

 

 

## 4. تصادم فكرتين العلمانية في مواجهة القمع الديني

 

كان الصراع ضد الموسوعة يمثل "لحظة مركزية لتصادم فكرتين حول تكوين المؤسسات والسيطرة عليها". كان هذا الخلاف يحدد مستقبل العلاقة بين الدولة والفرد:

 

**الفكرة الأولى (التنوير):** استبعاد السلطة السياسية في مجال ووظيفة توجيه الرأي العام، وهو ما يعني ضمنياً **العلمانية المطلقة للحكومة**. كانت الموسوعة تطالب بفضاء فكري حر لا يخضع لرقابة الكنيسة أو الملك.

 

**الفكرة الثانية (السلطة):** حق الحكومات في أن توجه الفكر وتنظم التعبير عنه. اعتمد اليسوعيون هذه النظرية ولجأوا إلى القوة القمعية. يوضح مورلي أن الدين الرسمي في هذا العصر كان مزيجاً غريباً بين "الانهيار البيزنطي والوحشية المتعصبة التي اتسم بها العمل المقدس".

 

 

## 5. نظرة على "ابن أخي رامو" الفن الذي يراقب الطبيعة

 

بالإضافة إلى جهده الموسوعي، يتوقف مورلي عند أبرز الأعمال الأدبية لديدرو، وهي روايته "ابن أخي رامو" (Le Neveu de Rameau)، معتبراً إياها عملاً يتميز بأهمية قصوى في سياق الحياة الفكرية في باريس.

 

  • يشير مورلي إلى أن هذه "الهزلية التراجيدية الوحيدة" كانت جزءاً من خلفية صراع نشب بين أنصار
  •  الموسيقى الفرنسية وأنصار الموسيقى الإيطالية، وبالتالي فهي ليست مجرد تسلية أدبية. وفي تحليله
  •  يرفض مورلي تفسيرات النقاد التي حاولت حصر العمل في كونه سخرية من نظرية المصلحة الذاتية
  •  أو رداً على مسرحيات معاصرة.

 

يؤكد مورلي أن المحاورة هي "صورة حية ووصف لشخصية أصلية، رسمها رجل عبقري اعتاد على مراقبة الطبيعة البشرية والمجتمع بنظرة حرة صريحة، والتأمل فيهما بعمق وتدقيق". ويقارن مورلي تعامل ديدرو مع شخصية "رامو" بتعامل شكسبير مع شخصية "فالستاف"، حيث يمثل رامو "الفنان الذي يعيد إنتاج شخصية غريبة الأطوار أسرت خياله وأشعلت شرارته الإبداعية".

 

 

## الخاتمة

 

يُقدم كتاب جون مورلي عن دينيس ديدرو إضاءة لا غنى عنها ليس فقط لفهم شخصية ديدرو المتفردة، بل لفهم الآليات التي حولت السخط الشعبي والفساد الهيكلي في فرنسا إلى قوة ثورية. لقد كان الفكر التنويري، بتركيزه على العقلانية والمنهج العلمي وواقعية المشكلات الاجتماعية، هو الذخيرة الفكرية التي سلحت الثورة الفرنسية. ومن خلال تفاصيل حياة ديدرو وكفاحه المرير في سبيل الموسوعة، يثبت مورلي أن الصراع من أجل حرية التعبير واستقلال العقل كان المدماك الأساسي الذي قام عليه صرح الحداثة الأوروبية.

 

لقد كان ديدرو، بكونه عبقرياً فريداً وفعالاً، مهتماً بالواقع والمشكلات العضوية للمجتمع، مما جعل دوره في تأسيس الوعي الثوري لا يقل أهمية عن دور فولتير الساخر وروسو العاطفي، بل ربما كان أكثر منهجية وتأثيراً في تغيير مسار المعرفة الإنسانية إلى الأبد.

# تحليل معمق: كيف مهد الفكر التنويري الغربي والثورة الموسوعية للثورة الفرنسية؟ قراءة في كتاب جون مورلي عن دينيس ديدرو



author-img
Tamer Nabil Moussa

تعليقات

ليست هناك تعليقات

    google-playkhamsatmostaqltradent