# الدخول في الحشائش: ليديا ديفيس تعيد تعريف الكتابة بوصفها فعلاً للقراءة
هي واحدة من الأصوات الأدبية الأكثر تفرداً وتجريبية في المشهد الأمريكي المعاصر.
**ليديا ديفيس** هي
واحدة من الأصوات الأدبية الأكثر تفرداً وتجريبية في المشهد الأمريكي المعاصر. بعيداً
عن صخب الروايات الضخمة وملاحم الجوائز، نحتت ديفيس لنفسها مساحة خاصة ضمن ما
يُعرف بـ **القصة القصيرة جداً**
(Flash Fiction)،
حيث تتكثف الحكايات لتصير أشبه بقصائد النثر، مركزة على الملاحظة الدقيقة وتفاصيل
الحياة اليومية الغارقة في الفلسفة.
![]() |
| # الدخول في الحشائش: ليديا ديفيس تعيد تعريف الكتابة بوصفها فعلاً للقراءة |
- كتابها الأحدث، "الدخول في الحشائش" (**Into the Weeds**)، والذي صدر في أعقاب
- محاضرة "ويندم كامبل" المرموقة التي ألقتها في جامعة يال عام 2024، لا يعد دليلاً تقليدياً للكتابة
- بقدر ما هو تأمل عميق في العملية الإبداعية، وبشكل خاص، في العلاقة التبادلية والغامضة بين فعل
- **الكتابة** وفعل **القراءة**. إنها إجابة "ملتوية" على السؤال الخالد: **"لماذا أكتب؟"**
## رحلة "هامش الهامش" هوية ليديا ديفيس الأدبية
في عالم أدبي يميل إلى تكريم الروائيين، تجد ليديا ديفيس نفسها على ما يمكن وصفه بـ "هامش الهامش".
لم تبحث ديفيس يوماً عن الشهرة أو المال أو الإقبال الجماهيري، بل كرست مسيرتها
التي امتدت لخمسين عاماً للتجريب الفني والمغامرة في القوالب السردية. قصصها، التي
قد لا تتجاوز بضعة أسطر، تتحدى الأشكال التقليدية التي جلبت المجد لكتّاب كبار مثل
أليس مونرو أو ريموند كارفر.
- إن هذا الالتزام الأصيل بالتجريب هو ما يمنح كتابها الجديد قوة خاصة. فالكتاب لا ينطلق من فرضية
- تعليمية أو ترويجية، بل من موقف فكري يحاول فيه الكاتب تفكيك دوافعه الذاتية، ليكتشف في النهاية
- أن الأسباب المعلنة التي يُفترض أن تدفعه للكتابة ما هي إلا أسباب "محتملة"
يجب أن تُسلب منه أولاً.
## نفي الدوافع التقليدية "لماذا أكتب؟" سؤال بإجابات ملتوية
يجد قارئ "الدخول
في الحشائش" نفسه أمام سلسلة من النفي الصريح. ترفض ديفيس بثبات أن تكون
دوافعها إبلاغ رسالة، أو التأثير في القارئ، أو حتى الكتابة من أجل جمهور معين. تقول
بوضوح: "ثمة ما لم يكن سبباً في شروعي في الكتابة أول الأمر، وهو الشهرة، أو
المال"، وتضيف: "لا أكتب قصصاً لتحقيق أي غرض معين".
- هذه الإجابات السلبية تقود القارئ إلى استنتاج مفاده أن الدافع الحقيقي للكتابة عند ديفيس كامن في
- مكان آخر، مكان أعمق وأكثر حميمية، ألا وهو **فعل القراءة**. وكأنها تقول: أنا لا أكتب لأني
- أريد شيئاً من العالم، بل أكتب لأني قرأت العالم بعمق.
واجهت ديفيس صعوبة في
البداية للإجابة على سؤال المحاضرة، وشعرت بأن "رأسها خاوٍ". لكنها
اهتدت إلى حل ملهم بفضل الشاعر الأمريكي جون آشبري وكتابه "تراثات أخرى"،
حيث قرر آشبري الحديث عن الشعراء الذين أثروا فيه بدلاً من الحديث عن نفسه. هذا
التكتيك سمح لديفيس بتحويل بوصلة المحاضرة من "كيف أكتب" إلى "كيف
أقرأ"، وكيف تشكل القراءة الفعلية للأعمال الأدبية وغير الأدبية مسار الكتابة.
## "الدخول في الحشائش" تحويل المحاضرة إلى مرشد للقراءة
أحد أبرز الكتب التي
استلهمت منها ديفيس رؤيتها هو "متجر صانع العربات" لجورج ستورت، وهو سرد
شديد العمق ومبني على **الملاحظة الدؤوبة الدقيقة للعالم المادي**.
### القراءة بالجرعات الصغيرة وملاحظة العالم
عندما كانت ديفيس تقرأكتاب آشبري، كانت تقوم بذلك في حافلة على طريق ماساتشوستس السريع، وكانت تقرأ
جانباً من الصفحة ثم ترفع عينيها "محملقة في أفق رتيب". هذا المشهد
البسيط يمثل درساً جوهرياً في فلسفتها القرائية: **القراءة يجب أن تتجاوز حدود
الصفحة لتشمل العالم المحيط**. القراءة لديها تشبه طريقة شرب الطيور، بجرعات صغيرة
ومتقطعة، مع استيعاب وتأمل بين كل جرعة وأخرى.
### إغراء التفاصيل الدقيقة استكشاف "متجر صانع العربات"
لفت نظر ديفيس كتاب
ستورت الذي يصف كيفية صنع كل جزء في العربة بتفاصيل تقنية بالغة الدقة قبل قرن من
الزمن. القارئ العادي قد يمل من هذه التفاصيل، لكن ديفيس تجد فيها إلهاماً وتحدياً.
إنها دعوة للقارئ بأن "يخرج من منطقة أمانه القرائية" ويرغم نفسه على
ترك متعة الرواية المريحة ليغرق في تفاصيل تبدو جافة لكنها تحفز التفكير وتكشف عن
عوالم جديدة.
- وجدت ديفيس في هذه التفاصيل الغامضة نقاط اتصال غير متوقعة. على سبيل المثال، إشارتها إلى أن
- الحداد لا يحب دخول ضوء الشمس إلى ورشته لأن الضوء الساطع يجعل من الصعب قياس شدة اتقاد
- النار في أتونه. بالنسبة لديفيس، لا تكتسب هذه المعلومة قيمة تقنية بقدر ما تكتسبها كاستعارة لـ
- **عملية الكتابة** نفسها وشرط "الغموض اللازم" للمغامرة
الإبداعية.
## التبادل الأبدي بين القراءة والكتابة رؤية النقاد
يلتفت الناقد ديفيد
أولين في استعراضه للكتاب في "ذي أطلنطيك" إلى هذه النقطة المركزية،
مستشهداً بقول صول بيلو: "الكاتب ليس سوى قارئ دفعه حافز ما إلى التقليد".
يتساءل أولين: ماذا لو كان العكس صحيحاً؟ ماذا لو أننا حينما نفكر في الكتابة،
فإنما نعلم أنفسنا كيفية القراءة؟
يؤكد أولين أن كتاب
ديفيس مرشد للقراءة، وهو أمر حيوي في زمن تعاني فيه تغطية الكتب و**النقد الأدبي**
من التهميش أو التحول إلى مجرد مقالات غائمة. ففي مقابل طوفان مقاطع الفيديو
المشتتة للانتباه ومنصات أندية كتب المشاهير وتلخيصات **تيك توك**، تعيد ديفيس
تأطير القراءة بوصفها مسألة **شخصية وفردية**، تقوم على "الهوى الرقيق" الذي
يدفع القارئ للانزلاق من كتاب إلى آخر، لا عبر مسار دراسي مرتب، بل عبر سلسلة من
التعرجات غير المترابطة والارتجالات الحميمية.
- تكتمل هذه الحميمية عندما تتداخل ذكريات القارئ الشخصية مع الصفحات المقروءة، وهو ما تسميه
- ديفيس "صدمة الاكتشاف". ففي نهاية المطاف، تحكي ديفيس كيف سارت هي الأخرى على "طريق
- تخفيه الحشائش" الذي سار عليه الكاتب النرويجي كنوت هامسون (المعروف بدعمه للنازية)، رابطة
- بذلك الأدب بالذاكرة والمكان المادي.
## فعل الملاحظة ككتابة قصة "الأبقار"
توشك ليديا ديفيس على **المطابقة
بين فعلي القراءة والكتابة** عندما تصف طريقة تأليفها لقصة "الأبقار" (The Cows). تحكي ديفيس أنها لم
تكتب القصة "عامدة بأي شكل"، بل كانت عبارة عن تراكم من الملاحظات التي
استغرقت ثلاثة أعوام.
- بدأ الأمر بالإطلال من شباك منزلها ومتابعة البقر الذي بدأ بثلاث بقرات صغيرات. كانت تدون "بين
- حين وحين ما تراه"، من سلوك البقرات وأوضاعها، حتى صار لديها بعد ثلاثة أعوام أكثر من ثمانين
- ملاحظة أقيم منها كتاب صغير.
ما حدث هنا ليس تأليفاً
بالمعنى التقليدي (وجود خطة مسبقة)، ولكنه قراءة دقيقة لمنظر طبيعي يواجه بيتها. كل
يوم هو صفحة، وكل حدث هو جملة. هذا الفعل هو لذة مرهقة في **تدوين الملاحظات**،
والتي هي جوهر الكتابة عندها. وتنتهي القصة بغير إرادة منها، بل امتثالاً لشيء خارج
عن إرادتها، تماماً كما يصل القارئ إلى الصفحة الأخيرة في كتاب.
## الخاتمة
يُذكّرنا كتاب "الدخول
في الحشائش" بأن الأدب، رغم كل محاولات الميكنة والتسليع في البيئة الرقمية،
يظل منفتحاً بفضل شروطه الأكثر تفرداً وإنسانية. ليديا ديفيس، من خلال تتبعها
للتفاصيل الدقيقة في صناعة العربات الخشبية أو ملاحظة البقرات، تقدم لنا نموذجاً
احترافياً للإبداع. إنها تدعونا إلى اعتبار الكتابة شكلاً من أشكال **القراءة
العميقة** للعالم، وإلى البحث عن طريقنا الخاص الذي قد تخفيه الحشائش بعيداً عن
الطرق المعبدة والواضحة للشهرة.
| تفاصيل الكتاب | |
| :--- | :--- |
| **العنوان الأصلي** | Into the Weeds |
| **المؤلف** | Lydia Davis |
| **الناشر** | Yale University Press |
| **التصنيف** | نقد
أدبي، مقالات في الكتابة والقراءة، الأدب التجريبي |

# الدخول في الحشائش: ليديا ديفيس تعيد تعريف الكتابة بوصفها فعلاً للقراءة
