recent
أخبار ساخنة

# كريستوفر كولومبوس: قديس مكتشف أم رمز للاستعمار وتجارة العبيد؟ تحليل كتاب "الأرواح التسع"

الصفحة الرئيسية

 

# كريستوفر كولومبوس: قديس مكتشف أم رمز للاستعمار وتجارة العبيد؟

 تحليل كتاب "الأرواح التسع"

 

شهدت الساحة الثقافية والسياسية في الولايات المتحدة، خلال الأعوام الأخيرة، احتدام ما يُعرف بـ"الحروب الثقافية"، وكان بطل إحدى أبرز هذه المعارك هو المستكشف الشهير كريستوفر كولومبوس. هذا الرجل، الذي ارتبط اسمه تاريخياً باكتشاف العالم الجديد، تحوّل فجأة إلى نقطة خلاف حادة، تجسّدت في حملات إسقاط وتحطيم لتماثيله في المدن الأميركية.

شهدت الساحة الثقافية والسياسية في الولايات المتحدة، خلال الأعوام الأخيرة، احتدام ما يُعرف بـ"الحروب الثقافية"، وكان بطل إحدى أبرز هذه المعارك هو المستكشف الشهير كريستوفر كولومبوس. هذا الرجل، الذي ارتبط اسمه تاريخياً باكتشاف العالم الجديد، تحوّل فجأة إلى نقطة خلاف حادة، تجسّدت في حملات إسقاط وتحطيم لتماثيله في المدن الأميركية.
# كريستوفر كولومبوس: قديس مكتشف أم رمز للاستعمار وتجارة العبيد؟ تحليل كتاب "الأرواح التسع"


# كريستوفر كولومبوس: قديس مكتشف أم رمز للاستعمار وتجارة العبيد؟ تحليل كتاب "الأرواح التسع"

 

  • في خضم هذا الجدل، يبرز كتاب المؤرخ ماثيو ريستول "الأرواح التسع لـ كريستوفر كولومبوس"
  •  (The Nine Lives of Christopher Columbus) ليقدم قراءة معمقة لتاريخ الصورة المتغيرة
  •  لكولومبوس منذ وفاته قبل أكثر من 500 عام، محاولاً الفصل بين الإنسان الفعلي والأسطورة
  •  المتضخمة التي أطلق عليها ريستول مصطلح "الكولومبيانا" (Columbiana). هذا الكتاب، الذي
  •  يثير نقاشاً واسعاً حول دور كولومبوس كشخصية تاريخية وإرثه المعقد المتعلق بالاستعمار واستعباد
  •  السكان الأصليين، بات مرجعاً أساسياً لفهم سبب استمرار هذه "الحياة المتقلبة" لأميرال المحيط.

## الحرب الثقافية حول رمز العالم الجديد

 


لم يعد كولومبوس مجرد تمثال صامت يزين الميادين؛ بل أصبح "ساحة عراك" حقيقية. فمنذ اندلاع احتجاجات العدالة العرقية عقب مقتل جورج فلويد في عام 2020، تعرضت تماثيله للتدمير، أو النحر، أو الإغراق، مما دفع السلطات في بعض المدن إلى نقلها حفاظاً عليها. وفي غضون أربعة أشهر فقط، تم تفكيك أكثر من 30 نصباً، لتستقر في مواقع جديدة في متاحف أو أندية اجتماعية تابعة للأميركيين الإيطاليين، الذين رأوا فيه رمزاً لهويتهم.

 

  1. يشير ماثيو ريستول، أستاذ تاريخ أميركا اللاتينية الاستعماري بجامعة بنسلفانيا، إلى أن هذا التحول
  2.  ليس مفاجئاً، لأن "تماثيل كولومبوس هي أشياء حية يتبدل معناها على الدوام". كل عام يأتي بنسخة
  3.  جديدة من كولومبوس، ورؤية مختلفة له، وهو ما يفسر لماذا يظل الجدل محتدماً بين القائلين بقداسته
  4.  والمصرين على وضاعته، وبين من يراه مكتشفاً عظيماً وبين من يصنفه كـ**تاجر عبيد** استغل
  5.  السكان الأصليين.

  

## "أرواح كولومبوس التسع" تتبع رحلة الأسطورة

 

كتاب "الأرواح التسع لـ كريستوفر كولومبوس" ليس مجرد سيرة تاريخية تقليدية؛ بل هو تتبع للصور المتعددة التي اتخذها كولومبوس في الوعي العام. بدأت فكرة الكتاب لريستول عندما زار غاليسيا في إسبانيا، والتقى بأشخاص سألوه بجدية عما إذا كان سيحقق في نظرية تقول بأن كولومبوس في الحقيقة هو نبيل غاليسي ادعى وفاته عام 1492 وغير اسمه، بدلاً من كونه مجرد نسيج من جنوة. هذا الحدث أثار فضوله حول مدى انتشار المعتقدات غير المدعومة بالوثائق التاريخية حول كولومبوس.

 

### السيرة المباشرة كولومبوس الإنسان

 

في الجزء الأول من الكتاب، يقدم ريستول سيرة مباشرة لكولومبوس، يرصد فيها بواكير حياته كـ"محض نكرة" من جنوة، وكيف ارتقى اجتماعياً بفضل رحلاته التي مولها التاج الإسباني.

 

  • ومن خلال بحثه، توصل ريستول إلى فهم شخصي لكولومبوس الإنسان، قائلاً إنه كان "نرجسياً
  •  مفرطاً في اعتباره لنفسه"، واتسم بـ**العناد الشديد** الذي أصبح سمة تُحتفى بها في الوعي
  •  الأميركي. ورغم نرجسيته وطموحه الذي دفعه لتحقيق الارتقاء الاجتماعي، يرى ريستول أنه لم يكن
  •  "وحشاً" بالمعنى المطلق إذا ما قورن بشخصيات أخرى مثل كورتيس (الغازي الإسباني الذي تناوله
  •  ريستول في كتب سابقة)، الذي وصفه ريستول بـ"الوحش القاطع".

 

### زمن التأويل والاختلاقات

 


يكمن جوهر "الكولومبيانا"، بحسب ريستول، في أن شهرة كولومبوس الواسعة تقابلها ندرة في المعلومات الموثقة عن حياته الشخصية، مما يفتح الباب واسعاً للاختلاقات والتكهنات. وقد أدى هذا الفراغ المعلوماتي إلى نشوء نظريات كثيرة تتعقب أصله، فنسبته إلى اليونان، والنرويج، وكورسيكا، والدنمارك، والبرتغال، وعدّته قرصاناً، أو يهودياً، أو نبيلاً مجهولاً.

 

  1. هذه التفسيرات المتناقضة، التي لا يقوم الكثير منها على دليل صلب، تنتشر وتكتسب زخماً عندما
  2.  "تصطدم بنقطة مثيرة معينة هي أن تعارض رأياً مستقراً مع تمكنها من الظهور بمظهر معقول يتيح
  3.  لها أن تعلق بالذاكرة". إنها ظاهرة ثقافية واسعة المدى، يرى ريستول أن جذورها تضرب في علم
  4.  النفس البشري ورغبتنا في صياغة الأبطال أو الأشرار.

  

## تحول القديس إلى شخصية إلهية

 

من أهم "الأرواح التسع" التي يتناولها الكتاب هي صورة كولومبوس القديس. بدأت الجهود لتصويره كأداة للرب تهدف إلى نشر الكاثوليكية في الأميركتين في حياته، ودعمها من أتى بعده. وفي فجر القرن التاسع عشر، انطلقت الحملة الرسمية لتطويبه قديساً في أوروبا. وعلى الرغم من أن هذه الجهود لم تنجح أبداً، إلا أنها عززت مكانته كشخصية شبه إلهية، تمثل الفتح الحضاري والديني للعالم الجديد.

 

  • ولم يتضح تجسيد الكولومبيانا في أي مكان بقدر ما اتضح في الولايات المتحدة. فبعد الاستقلال
  •  الأميركي، بلغ كولومبوس الأسطوري ذروته، واحتفى به باعتباره رمزاً للتميز الوطني، بل ووضعه
  •  البعض على قدم المساواة مع جورج واشنطن؛ فإذا كان واشنطن "أبو الأمة"، فكولومبوس "جدها".
  •  ويكفي أن نشير إلى أن عاصمة الولايات المتحدة تقع في مقاطعة "كولومبيا".

 

### كولومبوس الأمريكي الإيطالي الاندماج والاعتراف

 

كان للأميركيين الإيطاليين دور محوري في القرن التاسع عشر في تبني "الكولومبيانا" وتشكيلها. فمع وصول موجات المهاجرين الطليان الكبرى، تزامن ذلك مع احتفال أميركا بمرور 400 عام على وصول كولومبوس. نظراً لتعرضهم للتحيز العنيف، وجد المهاجرون الإيطاليون في كولومبوس (الذي تأكدت أصوله الجنوية) سبيلاً للاندماج وإظهار إسهامهم في مجد الأمة.

 

  • لقد تماهى الأميركيون الإيطاليون تماماً مع كولومبوس، فاخترعوا "كولومبوس آخر"، وأسسوا
  •  جماعات مثل "فرسان كولومبوس"، وحولوا يوم كولومبوس في الإثنين الثاني من أكتوبر إلى إجازة
  •  فيدرالية، وأقاموا التماثيل لتأكيد انتمائهم.

  

## النسخة الخامسة تاجر العبيد والمحتل

 

مع حلول الذكرى الـ500 لوصول كولومبوس عام 1992، بدأت تتبلور النسخة "الأخطر" والأكثر إثارة للجدل من كولومبوس. وهي النسخة التي تحمله مسؤولية مباشرة عن استعباد السكان الأصليين وموتهم. بدأ جيل كامل في النظر إليه من زاوية التعاطف مع ضحايا الاستعمار، ولهذا، تحولت احتفالات الإثنين الثاني من أكتوبر في أماكن كثيرة إلى "يوم السكان الأصليين".

 

يكشف المؤرخ ماثيو ريستول تفاصيل حياته البغيضة التي بدأت تروج على نطاق واسع، مثل ممارساته العنيفة، وتجارته بالسكان الأصليين كعبيد، وفظائعه التي أسست للمرحلة الاستعمارية.

 

### دحض الأساطير وتصحيح الحقائق

 

على الرغم من أن ريستول سعى لمعالجة عالم "الكولومبيانا" بعقل منفتح، إلا أنه لم يمتنع عن دحض وتصحيح أبرز الأساطير التاريخية المحيطة بالرجل:

1.  **الأصل المؤكد:** يقطع ريستول بأنه ما من لغز حقيقي يحيط بأصل كولومبوس؛ فهو من جنوة، والتوثيق لذلك كثير وواضح.

2.  **الشائعات الملكية:** ينفي تماماً الأسطورة التي تقول إنه كان في علاقة مع الملكة إيزابيلا، أو أن الملكة باعت حليها لتمويل رحلته.

3.  **الكفاءة البحرية:** ينفي عنه أنه كان بحاراً بارعاً أظهر عبقرية سبقت عصره. ويوضح أن المعارضين لاقتراحه بالوصول إلى الشرق عبر الإبحار غرباً لم يكونوا "ظلاميين"؛ بل كانت حسابات كولومبوس خاطئة تماماً بخصوص حجم العالم، مما أثار شكوكاً منطقية لدى البلاطين البرتغالي والإسباني.

  

## هل كان كولومبوس السبب أم العرض؟

 

يقدم كتاب "الأرواح التسع" تدخلاً مهماً في النقاش التاريخي، يتمثل في إعادة كولومبوس إلى حجمه الطبيعي. فبدلاً من تقديمه كقوة دافعة وراء كل ما حدث في العالم الأطلسي بعد عام 1492 (من استعمار وشحن 12 مليون أفريقي قسراً عبر المحيط)، يرى ريستول أن كولومبوس يجب أن يُعدّ "عرضاً" أو "حادثة".

 

  1. كانت البرتغال وإسبانيا في نهاية القرن الخامس عشر منخرطتين في تنافس محتدم على استكشاف
  2.  الأطلسي واستعماره. كان هذا السباق سيصل حتماً إلى القارة الأميركية، سواء كان كولومبوس
  3.  موجوداً أم لا. "فلو لم يكن كولومبوس لكان غيره"، بحسب رأي ريستول.

 فى الختام

وفي خضم الخلاف المحتدم حول إرثه، والجدل حول تصنيفه بين القديس والوضيع، ينجح ماثيو ريستول نجاحاً مدهشاً في تقديم عمل جديد ومثير للاهتمام عن شخصية ظن الكثيرون أنه قيل عنها كل شيء بالفعل، مؤكداً أن تراث كولومبوس سيبقى ظاهرة ثقافية متشابكة يستحيل الفصل بين مكوناتها المتضاربة.

 

 

**بيانات الكتاب:**

*   **العنوان:** THE NINE LIVES OF CHRISTOPHER COLUMBUS

*   **تأليف:** Matthew Restall

*   **الناشر:** Norton

# كريستوفر كولومبوس: قديس مكتشف أم رمز للاستعمار وتجارة العبيد؟ تحليل كتاب "الأرواح التسع"



author-img
Tamer Nabil Moussa

تعليقات

ليست هناك تعليقات

    google-playkhamsatmostaqltradent