**رواية "عائد إلى قرطبة": رحلة إيمانية عبر الزمن والتاريخ للأندلسيّة سارة شوقي العقاري**
تُعد رواية "عائد إلى قرطبة" للكاتبة
سارة شوقي العقاري تحفة أدبية تجمع بين عبق التاريخ الأندلسي العريق وعمق البحث
الروحاني المعاصر. ليست هذه الرواية مجرد سرد لأحداث وشخصيات، بل هي دعوة للتأمل
في صمود الإيمان في وجه المحن، وفي قدرة الكلمات على أن تكون جسراً يربط الأجيال
وتضيء دروب التائهين. في هذا التحليل الشامل، سنتعمق في تفاصيل الرواية، مستعرضين
محتواها الغني، رسالتها الخالدة، وأهميتها الأدبية والتاريخية.
![]() |
**رواية "عائد إلى قرطبة": رحلة إيمانية عبر الزمن والتاريخ للأندلسيّة سارة شوقي العقاري** |
**رواية "عائد إلى قرطبة": رحلة إيمانية عبر الزمن والتاريخ للأندلسيّة سارة شوقي العقاري**
**رواية "عائد إلى قرطبة" رحلة إيمانية عبر الزمن والتاريخ للأندلسيّة سارة شوقي العقاري**
تُعد رواية "عائد إلى قرطبة" للكاتبة
سارة شوقي العقاري تحفة أدبية تجمع بين عبق التاريخ الأندلسي العريق وعمق البحث
الروحاني المعاصر. ليست هذه الرواية مجرد سرد لأحداث وشخصيات، بل هي دعوة للتأمل
في صمود الإيمان في وجه المحن، وفي قدرة الكلمات على أن تكون جسراً يربط الأجيال
وتضيء دروب التائهين. في هذا التحليل الشامل، سنتعمق في تفاصيل الرواية، مستعرضين
محتواها الغني، رسالتها الخالدة، وأهميتها الأدبية والتاريخية.
**ملخص الرواية مخطوطة الأجداد ونداء الإيمان**
تدور أحداث "عائد إلى قرطبة" حول "سعود"، الشاب المعاصر الذي يعثر على مخطوطة قديمة تحمل بين طياتها حكايات من الأندلس الغابرة. هذه المخطوطة ليست عادية، بل هي وصية روحية وشهادة تاريخية كتبتها جدة أندلسية قبل مئات السنين.
- الرسالة الافتتاحية للمخطوطة تخاطب سعود مباشرة: "إلى سعود.. هذه المخطوطة ليست مجرد
- حكايات، إنها شهادة عن إيمان لم يطفأ رغم كل شيء، وعن يقين لم يغب حتى في أوقات الشك. جدتي
- الأندلسية حكت يوماً عن رؤية رأتها قبل مئات السنين شاب من الجزيرة العربية يقرأ هذه الحكاية بعد
- زمن طويل، وفيها يجد
طريقه إلى الله. سعود لا تخذل الجدة".
تبدأ رحلة سعود مع صفحات المخطوطة، ليتغلغل عمق
الكلمات في روحه. تروي الجدة الأندلسية قصصاً عن عظمة قرطبة، المدينة التي كانت
منارة للعلم والحضارة في العالم، وعن الفاجعة التي حلت بها عند سقوطها. ولكن الأهم
من ذلك، تتحدث عن الإيمان الذي ظل متقداً في قلوب أهلها، رغم كل المآسي التي كانت
تدعو إلى اليأس والانسلاخ عن الدين. كل كلمة في المخطوطة تبدو موجهة إليه شخصياً،
لتلامس أعمق نقاط روحه وتفكيره.
يتوقف سعود عند مقطع كتبه شخص يدعى "محمد"
قبل ما يقارب ستمائة عام، والذي يكرر فيه نبوءة الجدة: "كانت جدتي تقول لنا
دائماً سيأتي يوم تقرأ فيه هذه الحكايات عيون بعيدة عن زماننا عيون شاب ضائع،
وستكون هذه الكلمات بوابته للنور وطريقه إلى الله." هذه الكلمات بالذات تشكل
نقطة تحول في حياة سعود، حيث يجد فيها ضالته، ويدرك أن هذه المخطوطة هي مفتاحه
لإعادة اكتشاف ذاته وطريقه إلى الله.
**محاور الرواية الأساسية**
1. **الإيمان
والصمود:**
تُبرز
الرواية بشكل جلي قوة الإيمان في مواجهة الشدائد. فالجدة الأندلسية، ومن خلال
حكاياتها، تقدم نموذجاً حياً للصمود الروحي والثبات على المبادئ حتى في أحلك
الظروف. سقوط قرطبة لم يكن نهاية للإيمان، بل كان اختباراً عظيماً كشف عن جوهره
الحقيقي في نفوس من تمسكوا به. تتناول الرواية كيف أن اليقين بالله يمكن أن يكون
مرساة النجاة في بحر الشك والاضطراب، وكيف يمكن أن يلهم الأجيال المتعاقبة.
2. **التاريخ
والهوية:**
تُعيد
"عائد إلى قرطبة" إحياء جزء هام من تاريخ الأندلس الإسلامية، ليس فقط
كأحداث جافة، بل كقصص إنسانية مليئة بالمشاعر والتجارب. تُقدم الرواية للقارئ لمحة
عن عظمة الحضارة الأندلسية، مساهماتها في العلوم والفنون، وكيف ازدهرت قرطبة كمركز
للتعايش الفكري والديني. من خلال استعراض الماضي، تدعو الرواية إلى التفكير في
أهمية الهوية الثقافية والدينية، وكيف يمكن للتاريخ أن يشكل وعينا الحاضر
والمستقبل.
3. **العلاقة
بين الأجيال:**
تبرز
الرواية العلاقة الفريدة بين الأجيال، حيث تمثل المخطوطة جسراً يربط بين الجدة
الأندلسية وحفيدها "محمد" ومن ثم "سعود". هذه العلاقة لا
تقتصر على نقل الحكايات فحسب، بل تمتد لتشمل نقل القيم، الإيمان، والتجارب
الإنسانية العميقة. إنها رسالة مفادها أن الحكمة والمعرفة يمكن أن تتجاوز حواجز
الزمن لتصل إلى من يحتاجها حقاً.
4. **البحث
عن الذات والعودة إلى الله:**
شخصية
سعود تمثل الشاب المعاصر الذي يعيش حالة من الضياع أو البحث عن معنى لحياته. المخطوطة
القديمة تصبح له بمثابة مرشد روحي، يساعده على فهم ذاته وتحديد مساره. هذا الجانب
من الرواية يعكس رحلة الكثيرين في عصرنا الحالي، حيث يتوق الأفراد إلى إيجاد غاية
أعمق لوجودهم. إنها دعوة للعودة إلى الفطرة، إلى القيم الروحية التي تمنح الحياة
معنى وهدفاً.
**الأسلوب الأدبي للكاتبة سارة شوقي العقاري**
تتميز سارة شوقي العقاري بأسلوب سردي رصين
وجذاب، يمزج بين اللغة العربية الفصحى الراقية والوصف البليغ الذي ينقل القارئ إلى
قلب الأحداث. تتجلى قدرتها على بناء الشخصيات وتصوير المشاهد التاريخية ببراعة،
مما يجعل القارئ يعيش تجربة قرطبة بكل أبعادها. كما أن استخدامها للغة الشعرية في
بعض المقاطع يضفي على الرواية عمقاً وجمالاً إضافياً.
**الرسالة الخالدة والعمق الفلسفي**
تتجاوز "عائد إلى قرطبة" كونها مجرد
حكاية، لتصبح دعوة للتفكير في ماهية الإيمان الحقيقي، وكيف يمكن له أن يبقى منارة
تهدي القلوب التائهة عبر العصور. إنها تذكرنا بأن الحضارات تزول، والمدن تسقط،
ولكن القيم الروحية والإنسانية العميقة تبقى خالدة. الرواية بمثابة مرآة تعكس
صراعات الإنسان الداخلية في البحث عن الحقيقة والسكينة، وتؤكد أن الإجابات قد تأتي
من حيث لا نتوقع، أحياناً من صفحات مخطوطة قديمة تخبئ حكمة الأجداد.
**خاتمة**
"عائد إلى قرطبة" ليست مجرد رواية
تُقرأ، بل هي تجربة تُعاش. تأخذنا سارة شوقي العقاري في رحلة ماتعة بين الماضي
والحاضر، بين عظمة الأندلس وضياع الروح المعاصرة، لتقدم لنا عملاً أدبياً غنياً
بالمعاني، ومليئاً بالحكمة، ومُلهمًا لكل من يبحث عن النور في دروب الحياة. إنها
شهادة خالدة على أن الإيمان لا يشيخ، وأن الحكايات القديمة تحمل في طياتها مفاتيح
لألغاز عصرنا الحديث. هذه الرواية جديرة بأن تكون ضمن قائمة أفضل الروايات
التاريخية والروحية في الأدب العربي المعاصر.