recent
أخبار ساخنة

### **«زر اللايك»: كيف أعاد اختراع بسيط تشكيل العالم؟**

الصفحة الرئيسية

 

### **«زر اللايك»: كيف أعاد اختراع بسيط تشكيل العالم؟**

 

في المشهد الرقمي المعاصر، تبدو بعض الأدوات جزءاً أصيلاً من نسيج تجربتنا اليومية، لدرجة أننا نادراً ما نتوقف للتساؤل عن أصلها أو أثرها العميق. يأتي في مقدمة هذه الأدوات "زر اللايك" (Like Button)؛ ذلك الإبهام المرفوع الذي تحول من مجرد أيقونة بسيطة إلى لغة عالمية، وعملة للاقتصاد الرقمي، ومحرك نفسي يعيد تعريف علاقاتنا بأنفسنا وبالآخرين. في كتابهما المنتظر "Like: The Button That Changed the World"، يأخذنا الخبيران مارتن ريفز وبوب جودسون في رحلة تحليلية وتاريخية مذهلة لكشف طبقات هذا الاختراع الذي غيّر العالم، مقدّمين رؤية من قلب وادي السيليكون، تجمع بين السرد التاريخي والتحليل الاستراتيجي.

في المشهد الرقمي المعاصر، تبدو بعض الأدوات جزءاً أصيلاً من نسيج تجربتنا اليومية، لدرجة أننا نادراً ما نتوقف للتساؤل عن أصلها أو أثرها العميق. يأتي في مقدمة هذه الأدوات "زر اللايك" (Like Button)؛ ذلك الإبهام المرفوع الذي تحول من مجرد أيقونة بسيطة إلى لغة عالمية، وعملة للاقتصاد الرقمي، ومحرك نفسي يعيد تعريف علاقاتنا بأنفسنا وبالآخرين. في كتابهما المنتظر "Like: The Button That Changed the World"، يأخذنا الخبيران مارتن ريفز وبوب جودسون في رحلة تحليلية وتاريخية مذهلة لكشف طبقات هذا الاختراع الذي غيّر العالم، مقدّمين رؤية من قلب وادي السيليكون، تجمع بين السرد التاريخي والتحليل الاستراتيجي.
### **«زر اللايك»: كيف أعاد اختراع بسيط تشكيل العالم؟**


### **«زر اللايك»: كيف أعاد اختراع بسيط تشكيل العالم؟**


  • الكتاب، الذي يستعرضه المقال الأصلي، لا يروي قصة تقنية فحسب، بل يؤرخ لتحول ثقافي
  •  واجتماعي واقتصادي كان "زر اللايك" محوره ومُحفزه. لفهم أبعاد هذه الظاهرة، يجب العودة إلى
  •  اللحظة التي سبقت هيمنتها.

**من فكرة لتحفيز المستخدمين إلى ظاهرة عالمية**

 

قبل أن يصبح "اللايك" جزءاً من قاموسنا اليومي، كانت شبكة الإنترنت مكاناً مختلفاً. في أوائل الألفية، كانت المشاركة في خلق المحتوى تقتصر على نسبة ضئيلة من المستخدمين، قُدرت حينها بـ 1% فقط. واجهت الشركات الناشئة، مثل "Yelp" في عام 2005، معضلة أساسية: كيف يمكن إقناع المستخدم العادي بالمساهمة وكتابة تقييمات للمطاعم والخدمات دون مقابل مادي؟ هنا، وُلدت العبقرية الكامنة وراء "زر اللايك".

 

  • يسرد الكتاب، بفضل شهادة أحد مؤلفيه بوب جودسون الذي كان أول موظف في "Yelp"، أن الفكرة
  •  لم تكن تقنية في جوهرها، بل نفسية. لقد أدرك مهندسو "Yelp" أن الدافع البشري الأعمق ليس المال
  •  دائماً، بل التقدير الاجتماعي والاعتراف. لقد قدموا للمستخدمين عملة جديدة: "الاستحسان". عبر رسم
  •  بسيط لإبهام مرفوع – وهو رمز متجذر في الثقافة الغربية يعود إلى عصر الإمبراطورية الرومانية –
  •  تمكنت "Yelp" من خلق نظام حوافز فعال. كل "لايك" على مراجعة هو بمثابة مجاملة، دفعة صغيرة
  •  من التقدير تشجع على المزيد من المشاركة.

 

لكن نقطة التحول الحقيقية جاءت في عام 2009 عندما تبنى "فيسبوك" هذه الميزة. بفضل شبكته العالمية الهائلة، تحول "زر اللايك" من أداة متخصصة إلى ظاهرة كونية.

 اليوم، يُنقر على هذا الزر أكثر من 160 مليار مرة يومياً، ليصبح اللازمة التي لا غنى عنها في جميع تطبيقات التواصل الاجتماعي، من "إنستغرام" و"تويتر" إلى "تيك توك" و"يوتيوب". لقد نجح في تحطيم حاجز المشاركة، وجعل من كل مستخدم، حتى الأكثر خجلاً، صانعاً للمحتوى أو على الأقل مُعبراً عن رأيه، ولو بضغطة زر صامتة.

 

**المحرك النفسي حلقة الدوبامين واقتصاد الانتباه**

 

يتعمق الكتاب في تحليل الأثر النفسي العميق لـ "زر اللايك"، وهو الجانب الذي حوّله من أداة تعبير إلى أداة سيطرة. فما بدأ كآلية للتحفيز الإيجابي، سرعان ما تحول إلى ما يسميه علماء النفس "حلقة المكافأة العصبية". كل "لايك" نتلقاه يحفز إفراز الدوبامين في الدماغ، وهو الناقل العصبي المرتبط بالشعور بالمتعة والمكافأة. هذه العملية تشبه إلى حد كبير تأثير السكر أو النيكوتين، حيث يخلق الدماغ ارتباطاً شرطياً بين النشر على وسائل التواصل الاجتماعي والحصول على إشباع لحظي.

 

  1. هذه الحلقة الكيميائية هي التي تقف خلف أنماط الإدمان الرقمي، خاصة لدى الأجيال الشابة التي نشأت
  2.  في ظل هذه الأنظمة. أصبح السعي وراء "اللايكات" هدفاً بحد ذاته، مقياساً للقيمة الذاتية والقبول
  3.  الاجتماعي. لم يعد "اللايك" مجرد إعجاب بالمحتوى، بل أصبح تصويتاً على هوية الشخص
  4.  ومظهره، وأفكاره. هذا الضغط المستمر للحصول على المصادقة الرقمية هو ما يربطه العديد من
  5.  الخبراء بارتفاع معدلات القلق والاكتئاب وتدهور الصحة النفسية لدى المراهقين.

 

كما يشير الكتاب، فإن هذه الآلية النفسية ليست مجرد "عاقبة غير مقصودة"، كما يحب عمالقة التكنولوجيا أن يصفوها، بل هي جوهر نموذج أعمالهم. فإبقاء المستخدمين مدمنين على هذه الدفعات من الدوبامين يعني إبقاءهم على المنصة لأطول فترة ممكنة، وهذا بدوره يعني عرض المزيد من الإعلانات وجمع المزيد من البيانات. وبهذا المعنى، يصبح "زر اللايك" العملة الأساسية في "اقتصاد الانتباه"، حيث يتم تداول وقتنا وتركيزنا وبياناتنا دون أن ندرك ذلك في كثير من الأحيان.

 

**نقد المراجعة بين الاحتفاء بالاختراع وتجاهل الأزمة**

 

على الرغم من القيمة التاريخية والمصداقية العالية التي يمنحها المؤلفان للكتاب، خصوصاً بوب جودسون كشاهد عيان على ولادة الظاهرة، فإن المراجعة التي قدمت النص الأصلي تسلط الضوء على نقطة ضعف جوهرية: النبرة المتفائلة التي تصل إلى حد السذاجة في التعامل مع الجوانب المظلمة.

 

  • يبدو أن المؤلفين، ريفز وجودسون، يتعاملان مع قضايا مثل الإدمان، وانهيار الخصوصية
  •  والاستقطاب السياسي، باعتبارها أضراراً جانبية يمكن إصلاحها، بدلاً من كونها سمات متأصلة في
  •  تصميم النظام نفسه. إن تساؤلهما البريء، "لماذا يريد أحد معاقبة زر صغير وودود يُحبه الملايين؟"
  •  يكشف عن فشل في مواجهة الحقيقة الأكبر. هذا "الزر الصغير" ليس مجرد أداة محايدة؛ بل هو بوابة
  •  لنموذج أعمال قائم على المراقبة والتلاعب السلوكي، وهو ما أطلقت عليه شوشانا زوبوف "رأسمالية
  •  المراقبة".

 

يحتفي الكتاب بالعبقرية الكامنة وراء الاختراع، ولكنه، بحسب المراجعة، يتردد في تحميله المسؤولية الكاملة عن التبعات الأخلاقية العميقة التي أتت في ركابه. فالقارئ الذي يبحث عن تفكيك فلسفي أو نقد سياسي جذري لتقنيات الإعجاب، قد يجد الكتاب احتفاءً تاريخياً أكثر منه تحليلاً نقدياً يشفي الغليل.

 

**مستقبل "اللايك" والإنسانية الرقمية**

 

في قسمه الأخير، يطرح الكتاب تساؤلات حول مستقبل هذا النمط من التفاعل. هل سننتقل إلى عصر نعبر فيه عن الإعجاب بمجرد التفكير فيه عبر واجهات الدماغ الحاسوبية؟ هل سيقوم الذكاء الاصطناعي بتوليد "لايكات" بالنيابة عنا لتعزيز تفاعلاتنا؟ هذه الأسئلة تفتح الباب أمام أشكال جديدة وأكثر تعقيداً من التفاعل، ولكنها تثير أيضاً مخاوف أعمق حول منهجيات السيطرة المستقبلية.

 

في الختام

 يظل كتاب "Like: The Button That Changed the World" وثيقة تاريخية مهمة لفهم إحدى أهم الظواهر الثقافية في القرن الحادي والعشرين. إنه يقدم سرداً سلساً وموثوقاً لقصة "زر اللايك" من المهد إلى الهيمنة العالمية. ولكن كما تشير المراجعة بحق، فإن قيمته الحقيقية تكمن ليس فقط في الإجابات التي يقدمها، بل في الأسئلة التي يفشل في طرحها بعمق. إنه يحفزنا كقراء ومستخدمين على التفكير النقدي في الأدوات التي نستخدمها يومياً، وتأثيرها الخفي على سلوكنا ومجتمعاتنا. 

لقد أثبت "زر اللايك" أن أبسط الرموز يمكن أن تحمل في طياتها القدرة على إعادة صياغة التجربة البشرية بأكملها، ونحن ما زلنا نعيش فصول هذه القصة التي لم تنتهِ بعد.


author-img
Tamer Nabil Moussa

تعليقات

ليست هناك تعليقات

    google-playkhamsatmostaqltradent