**"عقيدة الحشاشين: الأخوية" – غوص في أعماق روما البورجية وصراع الإرادات**
تُعد رواية "عقيدة الحشاشين: الأخوية" (Assassin's
Creed: Brotherhood) للكاتب أوليفر بودين، الاسم
المستعار للروائي أنطون جيل، علامة فارقة ضمن سلسلة الروايات المقتبسة عن سلسلة
ألعاب الفيديو الشهيرة التي تحمل الاسم ذاته. لا تقتصر قيمة هذه الرواية على كونها
مجرد سرد لأحداث اللعبة، بل هي عمل أدبي قائم بذاته يغوص بالقارئ في نسيج روائي
محكم، مستكشفًا الدوافع النفسية للشخصيات ومعمقًا الأبعاد التاريخية والاجتماعية
للعصر الذي تدور فيه الأحداث: عصر النهضة الإيطالية في أوج توتراته وصراعاته.
![]() |
**"عقيدة الحشاشين: الأخوية" – غوص في أعماق روما البورجية وصراع الإرادات** |
قلب روما
تأخذنا الرواية مباشرة إلى قلب روما في مطلع القرن السادس عشر،
مدينة كانت يومًا منارة للحضارة والمجد، لكنها ترزح الآن تحت
وطأة الفساد والاستبداد الذي فرضته عائلة بورجيا، وعلى رأسها رودريغو بورجيا، الذي
اعتلى سدة البابوية باسم ألكسندر السادس، وابنه الطموح المتعطش للدماء، تشيزاري
بورجيا. يقدم بودين صورة قاتمة لروما، حيث الظلم متفشٍ، والمعاناة هي القاسم
المشترك بين سكانها، والآثار الشاهدة على عظمة الماضي تتآكل بفعل الإهمال والجشع.
- في هذا المشهد المضطرب، يبرز بطل الرواية، إيتزيو أوديتوري دا فيرنزي، كبير الحشاشين. لم يعد
- إيتزيو الشاب اليافع الذي عرفناه في الجزء السابق "عقيدة الحشاشين: النهضة"، بل هو الآن قائد
- متمرس، محنك بالتجارب القاسية، ومثقل بعبء المسؤولية. تبدأ الرواية بلسان إيتزيو نفسه، معلنًا عن
- عزمه وتصميمه: "سأجوب الأرض طولًا وعرضًا إلى العمق المُظلم لإمبراطورية فاسدة لاستئصال
- أعدائي." هذا التصريح لا يعكس مجرد رغبة في الانتقام الشخصي، بل يمثل التزامًا بمُثل عليا تهدف
- إلى تحرير المدينة وسكانها من
طغيان آل بورجيا.
استعادة روما
يدرك إيتزيو أن مهمة استعادة روما ليست بالمهمة الهينة،
وأن "روما لم تبنَ بين ليلة وضحاها ولن يُرجعها حشاش وحده إلى سابق
عهدها." من هنا، تتبلور الفكرة المركزية للرواية والمتمثلة في "الأخوية".
ينتقل إيتزيو من العمل الفردي إلى بناء وتوحيد صفوف الحشاشين في روما، وتجنيد
أعضاء جدد من مختلف مشارب الحياة، وتدريبهم، وإعادة إحياء مبادئ العقيدة التي كادت
أن تندثر. هذه الأخوية ليست مجرد تحالف عسكري، بل هي رمز للأمل والمقاومة، وشبكة
دعم تهدف إلى تقويض نفوذ البورجيا من الداخل.
- تضعنا الرواية في مواجهة مباشرة مع تشيزاري بورجيا، الذي يُصور كشخصية كارزمية بقدر ما هي
- وحشية. طموحاته لا تعرف حدودًا، فهو "لن يهدأ... حتى يحتل كل ربوع إيطاليا." الصراع بين
- إيتزيو وتشيزاري ليس مجرد صراع بين الخير والشر، بل هو تصادم بين رؤيتين متناقضتين للعالم
- رؤية إيتزيو القائمة على الحرية والعدالة، ورؤية تشيزاري المبنية على القوة المطلقة والسيطرة.
- تتجلى
عبقرية بودين في رسم هذه الشخصيات المعقدة، مما يضفي على السرد عمقًا دراميًا
مشوقًا.
.jpg)
أحد الجوانب المثيرة للاهتمام في الرواية هو
استكشافها لمفهوم الخيانة والتآمر. ففي "مثل تلك الأوقات التي يسودها الغدر،
ينتشر التآمر في كل مكان، حتى بين صفوف الأخوية ذاتها." هذا التوتر الداخلي
يضيف طبقة أخرى من التعقيد على مهمة إيتزيو، ويختبر قدرته على القيادة والثقة فيمن
حوله، ويجعل القارئ في حالة ترقب دائم.
لغة وصفية
يستخدم أوليفر بودين لغة وصفية غنية تنقل القارئ ببراعة إلى شوارع روما وأزقتها، وقصورها الفخمة وأوكارها المظلمة. كما ينجح في نسج الأحداث التاريخية المعروفة عن عائلة بورجيا ضمن حبكة روائية مشوقة، ممزوجة بعناصر الخيال والمغامرة التي تميز عالم "عقيدة الحشاشين".
- الرواية لا تكتفي بسرد الأحداث
- بل تتغلغل في دواخل إيتزيو
- كاشفة عن صراعاته الداخلية
- لحظات ضعفه،
وتصميمه الذي لا يلين.
في الختام
"عقيدة الحشاشين: الأخوية"
هي أكثر من مجرد رواية مغامرات؛ إنها تأمل في طبيعة السلطة، والفساد، وأهميةالوحدة في مواجهة الظلم. إنها قصة عن التضحية، والقيادة، والسعي الدؤوب نحو
الحرية، مقدمة بأسلوب أدبي جذاب يجعلها إضافة قيمة لمحبي السلسلة والقراء الجدد
على حد سواء، ممن يبحثون عن رواية تاريخية مفعمة بالإثارة والعمق الإنساني.
.jpg)