recent
أخبار ساخنة

## رواية "المنسيون بين ماءين": رحلة إلى أعماق التاريخ والمخيلة

الصفحة الرئيسية

 

## رواية "المنسيون بين ماءين": رحلة إلى أعماق التاريخ والمخيلة

 

منذ رواية "زينب" لمحمد حسين هيكل، وحتى أعمال إلياس خوري، وقبلهما التوحيدي والجاحظ، هناك أنواع متعددة من السرد. لا تفضيل لنمط على آخر. الساحة تسَعُ كل الأشكال، ومن يتميّز ويتكرّس ويفرض نفسه هو الموهوب، الذي لا تنقصه الجرأة في خوض التجربة الفنية الجديدة.


## رواية "المنسيون بين ماءين": رحلة إلى أعماق التاريخ والمخيلة

## رواية "المنسيون بين ماءين": رحلة إلى أعماق التاريخ والمخيلة


فأن تدخل رواية عربية معاصرة، وتخرج منها مأسوراً بصورها وأحداثها وشخوصها، مرتهناً بعوالمها، هذا هو الانطباع الأول بعد رواية "المنسيون بين ماءين".


  

ثمة أقاليم عذراء

 لم تطأها قدم من قبل، فثمة التداخل المتقن بين الأزمنة والأمكنة التي يتكئ النص عليها في تزاوج بين الواقعي والغرائبي، اليومي والتاريخي، العادي والسحري، في حين يتداخل المألوف وغيره والفنتازي على نحو محكم.

 

  • هذا هو الانطباع بعد قراءة رواية ليلى المطوع "المنسيون بين ماءيْن"
  •  الصادرة هذا العام 2024، وهي روايتها الثانية بعد "قلبي ليس للبيع" (2012).
  •  إنها رواية حديثة، مغايرة، مختلفة عن التقليد والمحاكاة والبنى السردية المألوفة واللغة الإنشائية والتقريرية.

 

  1.  
  2. إذن، نحن في حضرة كاتبة جديدة، شابة،
  3.  ورواية "المنسيون" تشفّ عن تجربةٍ غنية وعميقة،
  4. ومعرفةٍ واسعة بتاريخ بلادها (البحرين) وجغرافيتها،
  5.  وخصوصاً ما يتعلّق بالبحر والمياه والينابيع والنخيل والزرع،
  6. إضافة إلى إلمامها بمختلف الطقوس والشعائر الغابرة، المتصلة بالأضاحي والقرابين.
  7. علاوة على ما تتمتّع به من مخيّلة حيّة وفعّالة، تنشط في رسم الشخصيات وبناء الأحداث بحريّة لا سبيل إلى تقييدها.
  8.  وأنت تقرأ الرواية، تَعبر جسوراً لا مرئية من الحاضر إلى الماضي ذهاباً وإياباً، من طبيعة بدائية متوحشة إلى طبيعة متحضّرة آمنة،
  9.  من بيئة فقيرة وخشنة وموسومة بالمأساة إلى بيئة معاصرة لكنها أيضاً موسومة بالمأساة.
  10.  

وكما توقعت قبل قراءة الرواية،

 ومن العنوان الجميل والمعبّر، الكاتبة تصدر عن اسم البحرين، كماءين في بحرين، نسيَ العالم ناس هذه البلاد، وأهلها، في ماء البحر المالح، والماء العذب الذي يتفجّر من ينابيع داخل البحر. والكاتبة تبدي معرفةً واطلاعاً واسعين فيما يتعلّق بتفاصيل الغوص والزراعة، عارفةً الأسماء والخواص والوظائف، ومُدركة للمسارات التاريخية والاجتماعية، المتصلة بمثل هذه الحقول. تبدي الكاتبة معرفتها الواسعة عن عمل الآباء، في مهنة الغوص، فهي بما تملكه من معرفة عميقة بتفاصيل الغوص، وأسماء ووظائف ما يتصل بهذه المهنة... مثل هذه المعرفة، كما غيرها من المعرفة في التاريخ والأسطورة والجيولوجيا وعلم الأحياء، أغنت بلا شك تجربة الكتابة عندها، ومنحتها عمقاً وتنوعاً.

 

ليلى المطوع كتبت روايتها "المنسيون بين ماءيْن" بلا اكتراث بغير المكترثين بصوتها الجديد. كتبت وفق رؤيتها الخاصة، وفق تجربتها وذائقتها وحساسيتها وحدْسها، وبعونٍ من المخيلة والذاكرة والثقافة العامة التي تمتلكها، إضافة إلى المراجع والبحوث والوثائق والمقابلات الشفوية.

 

**رحلة بين الواقع والأسطورة:**

 

تتميز رواية "المنسيون بين ماءين" بتداخل الأزمنة والأمكنة، حيث يختلط الواقعي بالغرائبي، اليومي بالتاريخي، العادي بالسحري. وهذا التداخل يمنح الرواية طابعًا مميزًا، ويجعلها تتخطى حدود السرد التقليدي.

 

ففي روايتها، تعيد ليلى المطوع صياغة الأساطير والحكايات الشعبية والخرافية، لتخلق أسطورتها الخاصة، القائمة على دمج التجارب العامة، عبْر قرون من التوارث، والتجربة الذاتية، وعلى جمع ما حدث في الماضي وما يحدث في الحاضر.

 

**اللغة والحساسية:**

 

في منعطفات النص، نصادف جوهر التاريخ وروح الأسطورة... عنصران يمنحان الرواية عطراً نوعياً خاصاً يتوجب الاهتمام به. يقولون: الكتابة الحقّة هي خَلق لأسطورة خاصة، أو إعادة خلق للأسطورة.

 

تعتمد ليلى المطوع على الجملة القصيرة، تفادياً للإسهاب المألوف في الإنشاء العربي المتوارث.  هذا الاختيار يجعل ذهن القارئ حاضراً على الدوام، وربما جميع حواسنا أيضاً.  إننا نتلقى هذا العمل البديع بكل وعينا وإدراكنا، لكي ندَعَه طواعيةً يحرّك مشاعرنا، ويثير مخيلتنا، ويحرضنا على التفاعل والتفكير والتأمل.

 

**دور الماء في الرواية:**

 

في رواية "المنسيون بين ماءين" تأكيد لقيمة الماء وحضوره الطاغي، إذ تكاد جميع الصفحات لا تخلو من ذكر الماء أو البحر بكل تحولاتهما وتصريفاتهما وتجلياتهما، مما يؤكد الدور المحوري للماءين؛ العذب والمالح.

 

وإذا كان عدد صفحات الكتاب (343) فظني أن مفردتَي الماء والبحر تكررتا أكثر من 600 مرّة في عموم الكتاب، وفي هذا حضور عميق للشكل والموضوع في العمل.

 

**خلاصة:**

 

إن "المنسيون بين ماءين" عملٌ فني مميز  يُجسّدُ براعة ليلى المطوع في السرد والتعبير عن الذات.  تُقدّم لنا روايتها رحلةً شيّقةً إلى أعماق التاريخ والمخيلة،  وتُجسّدُ علاقة الإنسان بالماء والطبيعة،  وترسمُ صورةً واقعيةً للمجتمع البحريني،  مع لمساتٍ خياليةٍ فاتنةٍ.

 

إنها رواية تستحق القراءة، وتستحق أن تكون إضافةً مميزةً إلى المكتبة العربية المعاصرة.  تُثبت ليلى المطوع من خلال هذه الرواية  موهبتها الأدبية الفذة  وتستحقُ أن تُصنّفُ  بين الكُتّاب الشباب الذين يُشكلونُ  مستقبلَ الأدب العربي.


author-img
Tamer Nabil Moussa

تعليقات

ليست هناك تعليقات

    google-playkhamsatmostaqltradent