recent
أخبار ساخنة

الفضيلة: رحلة حياةٍ ودمعٍ

الصفحة الرئيسية

 

الفضيلة: رحلة حياةٍ ودمعٍ

في عالمٍ تسودهُ ضجةُ الزمن، وتهبّ فيه رياحُ التغيير، تُصبحُ القيمُ والأخلاقُ كالنجومِ في ليلٍ مُظلمٍ، تُضيءُ لحظاتٍ ما، ثم تندثرُ في ظُلمةٍ لا يُدركُها إلا من حَفظها في قلبهِ، و حملها في روحهِ.

 


الفضيلة: رحلة حياةٍ ودمعٍ

الفضيلة: رحلة حياةٍ ودمعٍ



 

كانت "هيلين" و "مرغريت" امرأتين من نسلِ الأجدادِ، حملتا في قلوبهنّ شمعةَ الفضيلةِ، وأورثتها لأبنائهنّ "فرجيني" و "بول".

كانا طفلين يُشبهان زهرةً في ربيعِها، يتنافسان على الحبّ، ويبذلان الجهدَ ليصبحا في نظرِ أمّيهما الأفضل، تلك النزعةُ التي غذّتها رغبةُ كلٍّ منهم في أن يُرضي والدته، فيجعلُها فخورةً بهِ أمامَ العالمِ، وأمامَ بعضهما البعض

 

.

ظلتْ الفضيلةُ تُرسمُ ملامحَ حياتهما، تُزينُ أخلاقهما، تُزيّنُ تصرفاتهما، فكانا نموذجًا لما يجب أن يكون عليهِ الطفلُ المُؤدّبُ، الشريفُ، صاحبُ الأخلاقِ الحميدةِ، الذي يُرِدُ أن يكونَ مثالًا لمن حولهِ.

 

 

في تلكَ الأيامِ، لم يكنْ للخطابِ الرّيائيّ مكانٌ في بيتهما، ولم تكنْ شعاراتُ التّحضرِ تجدُ منصّةً تُنادِي من خلالها، لأنّها كانتْ تجدُ صدىها في أفعالِهم، وتصرفاتهم، وتعاملهم مع بعضهم البعض ومع العالمِ من حولهم

 

 

فكان "فرجيني" نموذجًا للفتاةِ التي لا تعرفُ مَعنى الكذب، ولا تدخلُ في مشاحناتٍ تافهة، تُرِدُ للجميعَ الخيرَ، و تسعى جاهدةً أن تُجيبَ عن كلّ سؤالٍ بِصراحةٍ تُكشفُ فيها عن روحها الطّاهرةِ، التي لم تُلوّثهاَ أيديُ الرياء، ولا دَنسُ المصالحِ الشخصية.

و "بول" كانَ شقيقها الذي تُحَدّثهُ عيناها عن حبهِ، و يُخبرهُ قلبهُ عن رغبتهِ في أن يكونَ بجانبهِ دوماً، و يمنحهُ كلّ الدّعمِ الذي يحتاجُ إليهِ.

 

 

فكانا زوجًا من إخوة، تربّىا على فضيلةِ العطاءِ، و شربا من معينِ الأخوةِ، فمُنَحا شجاعةَ النّظرةِ إلى المستقبلِ من خلال عدسةِ الحبّ، و المُشاركةِ، و السّعيِ للخيرِ، والتّقاسمِ في الظّرْفِ، و السّعادةِ.

 

 

ولكنّ الحياةَ، تلكَ الصّانعةُ المُتقنةُ للجمالِ، تُجيدُ أيضًا صناعةَ الألمِ، و تفنّنَ في رسمِ عَبراتِها، فَجَاءَ اليومُ الذي أُخذتْ فيهِ "فرجيني" من بينِ ذراعيِ "بول".

لم يكنَ ذلكَ هوَ الخبرُ الأليمُ، بل كانَ الخبرُ الذي أوجعَ كلّ من عرفها، هوَ موتها، و كانَ ذلكَ نتيجةَ فعلٍ شجاعٍ، جعلها تُفضّلُ أن تبتلعها الأمواجُ مُتحرّرةً، على أن تنقذَ حياتها بِخيانةِ أخلاقها

 

 

فقد كسرتِ الموجةُ بيدِها الْقَيدَ الذي قيدها، و ارتفعَتْ لِتُلاقيَ رُوحَها، و لتُصرخَ في وجهِ العالمِ "أَنا فرجيني، ولا أُنافسُ إلا مُثلُي".

كانت "فرجيني" قد غادرتْ، و لم تغادرْ إلا بِعِلمِ "بول" ، فَكَانَ مُدركًا أنّهُ يُقرّ بِضياعِها الذي هوَ في حقيقةِ الأمرِ حُبٌّ مستحيلُ التّعبيرِ عنهُ، و كانَ مُتأكدًا أنّهُ لا سِوى "فرجيني" التي ستظلّ تُلهِمُهُ و تُحفّزُهُ على السّيرِ على طريقِها

 

 

فغادرَ "بول" وراءَهُ زمنًا لم يَعُدْ فيهِ لِلقلبِ حُبٌّ ، و لم تَعُدْ فيهِ لِلروحِ أمنيةٌ. و كانَ مُدركًا أنّهُ لا يُمكنُهُ أن يُكملَ دربَهُ من دونِ "فرجيني" ، فَأَغلقَ عينهُ على الدنيا، و فتحَ عليهِ بابَ الموتِ لِيرحلَ وراءَ "فرجيني" ، و لِيُخبرَها أنّهُ لم يَنسَها ، و أنّهُ سيُحبّها دوماً.

كان "بول" قد رحلَ، و لم تُبقِ في قلوبِ العالمِ من "فرجيني" و "بول" إلا ذِكرياتٍ جميلةٍ، و رسالةً تُخبرُ بأنّ الفضيلةَ لا تُمكنُ أن تُهزمَ ، و أنّ الجمالَ لا يُمكنُ أن يَندثرَ ، و أنّ الحبّ لا يُمكنُ أن يُزولَ .

 

 

ولكنّ "هيلين" و "مرغريت" ، اللتانِ غرسَتَا في نفْسَي "فرجيني" و "بول" بذرةَ الفضيلةِ، فَشَهدتا رحيلَ أبنائهما ، و أحسّتا بِضياعِ شمعةِ الفضيلةِ التي كانتْ تُضيءُ حياتهم .

فلم تَصمدا ، و ماتتا حُزنًا على رحيلِ أبنائهما ، و رحيلِ كلّ ما حَملَتْ في نفوسهما من قِيَمٍ و أخلاقٍ.

و بِمَوتِ "هيلين" و "مرغريت" ، ماتتْ الفضيلةُ أيضًا ، و اختفتْ من العالمِ، و لم يَبْقَ إلا أَصداءُ ذكرى ، و رسالةٌ تُخبرُ بأنّ الفضيلةَ يُمكنُ أن تَندثرَ ، و أنّ الجمالَ يُمكنُ أن يُزولَ ، و أنّ الحبّ يُمكنُ أن يُختطفَ .

و ماتتْ "هيلين" و "مرغريت" ، و ماتتْ الفضيلةُ معهما، و لم يَبْقَ إلا أَصداءُ ذكرى ، و رسالةٌ تُخبرُ بأنّ الفضيلةَ يُمكنُ أن تَندثرَ ، و أنّ الجمالَ يُمكنُ أن يُزولَ ، و أنّ الحبّ يُمكنُ أن يُختطفَ .

و ماتتْ "هيلين" و "مرغريت" ، و ماتتْ الفضيلةُ معهما، و لم يَبْقَ إلا أَصداءُ ذكرى ، و رسالةٌ تُخبرُ بأنّ الفضيلةَ يُمكنُ أن تَندثرَ ، و أنّ الجمالَ يُمكنُ أن يُزولَ ، و أنّ الحبّ يُمكنُ أن يُختطفَ .

 

 

إنّ "المنفلوطي" ، صاحبُ هذهِ القصّةِ، قد أرادَ أن يُذكرنا بِقيمةِ الفضيلةِ ، التي اندثرتْ بينَ زخمِ الأيامِ ، و التي نحتاجُ إليها كثيرًا لِكي نَنهضَ بِأخلاقنا و حضارتنا مرّةً أخرى.

ففي عصرٍ تُغلبُ فيهِ المصالحُ الشّخصيةُ، و تُصبحُ أَهدافُ الشّعبِ هيَ إشباعُ رغباتهِ ، و تُصبحُ الفضيلةُ هيَ ضحيةُ التّنافسِ و التّحريضِ ، يُصبحُ من المهمّ أن نُذكّرَ الجميعَ بِقيمةِ الفضيلةِ ، و أنّ الحياةَ لا تُمكنُ أن تَكونَ جميلةً إلا بِوجودِ الفضيلةِ .

فلا يَجِبُ أن نُنسى ، أنّ الفضيلةَ هيَ الأساسُ لِبناءِ مجتمعٍ متماسكٍ ، و أنّ الفضيلةَ هيَ النّورُ الذي يُضيءُ طريقَ الحياةِ .

author-img
Tamer Nabil Moussa

تعليقات

ليست هناك تعليقات

    google-playkhamsatmostaqltradent