سأخبرك عن الأشياء التي
أبكتني، لكن ليس الآن
عزيزي السيد المجهول،
أكتب إليك هذه الرسالة
وأنا أشعر بثقل كبير على قلبي، وكأنّ عوالمًا من المشاعر تتراكم داخل صدرِي، تنتظر
أن تخرج، أن تجد من يستمع إليها، من يلمسها بحذر ودون أن تزول
 |
عزيزي السيد المجهول،
.
سأخبرك عن الأشياء التي
أبكتني، لكن ليس الآن. ليس لأنني لا أريد مشاركتك مشاعري، بل لأنني أخاف أن تذبل
في الهواء، أن تتبدد بين جدران صمتٍ لا ينبئ بالأمان
أخاف أن يُصبح الحديث
عن الألم مجرد نغمة موسيقية خافتة، لا تُلفت الانتباه، ولا تُثير الشفقة. أريد أن
أكون مرئية، أن أُدرك، أن أُشعر أنني موجودة، وأن وجودي له معنى، وأنني لستُ مجرد
ضباب عابر، يُصيب وجوه المارة بالبرودة، ويُلقي بظلالٍ رمادية على حياتهم
أريد أن أعرف أنني لا
أنتمي إلى عالمٍ آخر، أكثر شفافية، أو أنني لستُ مجرد ذكريات ضبابية، تختفي مع
مرور الوقت. أريد أن أصدق وجودي، وأن أُدرك من قبل شخصٍ ما، حتى لو لم يكن هذا
الشخص سوى أنت، سيدي المجهول، لا أعرفك، لا أعرف وجهك، ولا تاريخك، ولا اسمك،
لكنني أحتاج إلى أن أُدرك، أن أكون حاضرة في عينيك، ولو للحظةٍ قصيرة
أحتاج إلى أن أُلمس، أن
أُشعر أنني حقيقية، أنني لستُ وهمًا من الأوهام، أنني لستُ مجرد فكرة خافتة، أحتاج
إلى أن يلمسني شخصٌ ما، دون أن يتحول لون يده إلى اللون الرمادي، دون أن يُصبح
بُردًا مُتجمّداً، دون أن يختفي مع لمسته، أحتاج إلى أن أشعر أنني موجودة، أنني حقيقية،
أنني ليست مجرد صورةٍ مُختفية في مرآة الزمن.
سأخبرك عن الأشياء التي
أبكتني، لكن ليس الآن. سأُخبرك عندما أُصبح قادرة على التحدث دون أن تُصبح مشاعري
مجرد صُورٍ مُتقطعة، عندما أُصبح قادرة على التحدث دون أن أُغمض عينيّ خوفًا من
اختفائها
أنت، سيدي المجهول، لا
أعرف من أنت، لكنني أحتاج إلى أن أُشاركك مشاعري، لأنني أشعر بأنّك الشخص الوحيد
الذي يمكنني أن أُخبره بهذه الأشياء، أنت الشخص الوحيد الذي يمكنه أن يُدرك وجودي،
ولو للحظةٍ قصيرة.
سأنتظر، سيدي المجهول،
سأنتظر حتى أُصبح قادرة على التحدث، حتى أُصبح قادرة على مواجهة نفسي، حتى أُصبح
قادرة على مواجهة العالم.