لا شك أن " الواقعية السحرية " تمثل أحد الاتجاهات المهمة في الرواية في أمريكا اللاتينية خلال القرن العشرين ، وقد حصلت على شهرة عالمية لا مثيل لها ، لأسباب كثيرة تحاول الدراسات أن توضحها ، مثلما تحاول أن تتغلغل في خصائص هذا الاتجاه ، وجذوره ، والعوامل التي أدت إلى ظهوره ، ومما يجد ذكره هنا أن الواقعية السحرية لها صلة قوية بثقافتنا وتراثنا ، خاصة إذا عرفنا أن معظم ممثلي هذا التيار تحدثوا عن شغفهم بحكايات " ألف ليلة وليلة " وتأثيرها الكبير عليهم ، لدرجة أن الكاتب الأرجنتيني الشهير خورخي لويس بورخيس كان يحمل كتاب الليالي معه أينما حلّ ، وفضلاً عن ذلك فإن الواقعية السحرية موجودة في بعض الأعمال الروائية العربية المعاصرة .
وكتاب " في الواقعية السحرية " للدكتور حامد أبو أحمد ، الصادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب ، يحدثنا عن هذا التيار الذي ملأ العالم شهرة ، وعن أشهر ممثليه ، وقد كان اهتمام أبو أحمد بهذا التيار ينبعث من أنه مازال يحتاج إلى فيض من الدراسات تتناول جذوره القديمة ، ونشأته الحديثة ، وازدهاره المثير للانتباه في بلدان أمريكا اللاتينية ، وكبار ممثليه في هذه القارة ، وغير ذلك من قضايا مهمة حاول الاقتراب منها على مستوى النظرية وعلى مستوى التطبيق. فالكتاب جهد متميز للوقوف على بعض الجوانب البارزة في الواقعية السحرية ، ولعله يسهم في التعريف بأدب اللغة الإسبانية خلال القرن العشرين ، وهو أدب كانت له أصداء عالمية واسعة .
في البداية يوضح لنا الدكتور حامد أبو أحمد التيارات التي أثرت في أدب أمريكا اللاتينية ، فمما هو معلوم أن الرواية في أمريكا اللاتينية مع الأجيال التالية لذلك الجيل الرائد خطت خطوات واسعة وحظيت بشهرة عالمية لا مثيل لها ، ولعل من الأوفق أن نتوقف ، بإيجاز شديد ، عند أربع حركات تجديدية أو اتجاهات بارزة هي : الواقعية الاجتماعية ، والتي تأثرت إلى حد ما بكتاب من أمثال إميل زولا وبلزاك وكلارين وجالدوس ومن أبرز ممثليها البيرواني خوسيه ماريا أرجيداس والمكسيكي كارولس فوينتس والبيرواني أيضاً ماريو بارجس يوسا. والاتجاه الثاني هو الواقعية النفسية ، وهي التي تستخدم تقنيات مرتبطة بالحلم ، وتعبر عن اللاشعور ، وتيار الوعي ، والخيال الجامح ، واستبطان الذات ، ومن أبرز ممثلي هذا التيار أدولفو بيوكاساريس ، وخوسيه روبن ورميرو ، وبدرو برادو ، وإدوارد باريوس . والاتجاه الثالث هو الواقعية السحرية ، ويمثلها جابرييل جارثيا ماركيز ، وخوان رولف ، وخوليو كورتاثار . والاتجاه الرابع هو الواقعية البنائية ، ولها تجليات كثيرة في الأدب الروائي في أمريكا اللاتينية لدرجة أن النقاد رصدوا فيها ما يقرب من عشرة اتجاهات منها التعبير عن القبح ، والتعامل مع اللغة وكأننا في معمل ، ومحاولة فهم الواقع المتعالي ، والقصة الجديدة أو اللاقصة ، والتعبير عن اللامنطق ، والتجديد الظاهر للواقع .. إلخ . وكل هذه الاتجاهات أثرت وتثري حالياً أدب أمريكا اللاتينية .
أما عن الواقعية السحرية في أدب أمريكا اللاتينية فإن ماريو بارجس يوسا يقول لا أحد يستطيع أن يعرفها بطريقة محددة وحاسمة ، فالبعض يقول إن أليخوكار بنتير هو أكثر من قدم هذا العالم الذي لا يمكن أن نسميه واقعياً ولا يمكن أن نسميه فانتازيا ، ومن هنا نشأ مصطلح " الواقعية السحرية " لكن الحقيقة أن كل قصاص ، في داخل هذا الإطار ، له عالمه الخاص ، فخوان رولف له عالمه المختلف ، وكذلك خورخي لويس بورخيس ، وكل منهما مختلف عن عالم ماركيز ، فعالم بورخيس مأخوذ من ثقافات متعددة ، على العكس من عالم ماركيز الذي يقتصر على الصنعة الروائية ، وهذا يعني أنه ليس هناك شكل واحد يجمع كل الكتاب في صفة واحدة .
ثم إن الواقعية السحرية ليست تراثاً خاصاً بأدب أمريكا اللاتينية ، ففي إسبانيا نجد في قصص الفرسان فانتازيا كثيرة مثلما نجد عند ماركيز ، كذلك في الأدب الألماني وفي الأدب الفرنسي ، ولعل ظهور عدد كبير من كتاب أمريكا اللاتينية في الخمسينيات هو الذي أدى إلى توثيق ارتباط هذا التيار بهم .
كذلك فإن الربط بين هذا التيار وأشياء أخرى كثيرة مثل الربط بين السحري والعجائبي ، أو بين السحري والأسطوري ، أو بين الواقعية السحرية والسيريالية ، وإذا كان التوسع كبيراً حول مفهوم الأسطورة وحول مفهوم السيريالية ، وحول مفهوم العجائبي ، فإننا ندرك إلى أي مدى يكون هذا المفهوم أكثر اتساعاً حول الواقعية السحرية ، ويقول الناقد الفرنسي الشهير تيفيتان تودوروف : إن وجود عناصر فوق طبيعية يمثل أحد المظاهر البارزة في رواية " مائة عام من العزلة " ، ولكن هذا العنصر فوق الطبيعي لا يتم تناوله هنا على نحو ما يحدث في الأدب العجائبي ، عالم الحكايات التي تسكن فيها الجنيات والحوريات والعفاريت ، وذلك لأن كتاب ماركيز يمثل عالمنا المعاصر ، وليس أي عالم آخر ، كما أن هذا العنصر لا يدخل ضمن الفانتازي ، وهو هذا العالم فوق الطبيعي الذي تؤدي مشاهده إلى إثارة الشكوك والتذبذب لدى الشاهد غير المصدق ، وذلك لأنه في " مائة عام من العزلة " لا أحد يشك في واقع الأحداث فوق الطبيعية .
وهكذا فإن الواقعية السحرية عند ماركيز تختلف عما هو واقعي وعما هو فانتازي ، مع ذلك فإن غالبية النقاد في أمريكا اللاتينية قد ربطوا بين السحري والعجائبي ، ومن هؤلاء خواكين ماركو .
لقد ظهرت الواقعية السحرية في فترة متقدمة من القرن العشرين ، ويتضح هذا من الأسماء التي مثلت هذا الاتجاه مثل أليخو كاربنتيير ، وميجيل آنخل أستورياس ، وبورخيس ، وخوليو كورتاثار ، وخوان رولف ، وماركيز ، ويقدم الدكتور حامد أبو أحمد نبذة عن كل واحد منهم في الكتاب .
ويفرق المؤلف بين الواقعية السحرية وثلاثة ارتباطات أولها : السحري والعجائبي ، وهو يرى رأي تودوروف في هذا الارتباط ، أما الارتباط الثاني فهو بينها وبين السيريالية ، أما الارتباط الثالث فكان مع الأسطورة ، أما فيما يتعلق بالصلة مع السيريالية ، فإن الصياغة الطاغية للدادائية والسيريالية حدثت خلال عقد العشرينيات من القرن الماضي ومعنى هذا أن مصطلح الواقعية السحرية من الممكن أن يكون قد صيغ في هذه الفترة ، ومن هنا يرى لانجويسكي أن هذه الصياغة في حد ذاتها تعكس الصلة القوية بينهما ، بالإضافة إلى أن السيريالية كانت تمثل المرحلة الأخيرة في المدارس الطليعية مثل: الابتداعية ، والمستقبلية ، والماورائية وغيرها .
أما عن الأسطورة وعلاقتها بالواقعية السحرية ، فإن الأسطورة لعبت دوراً في غاية الأهمية في الأدب والفن والثقافة بعامة خلال القرن العشرين حتى لقد أطلق بعض الكتاب على هذا القرن اسم "قرن الأسطورة" ، وقد رأينا الأسطورة تدخل في إبداعات الكثيرين منذ منتصف القرن التاسع عشر وربما قبل ذلك ، كما نجد عند البرناسيين في فرنسا ، ومن بعدهم الرمزيين ، وكذلك في الثقافة الإنجليزية عند إزرا باوند ، وبعد ذلك إليوت ، وفي إسبانيا نجد شعراء الحداثة وعلى رأسهم روبن داريو ثم لوركا ، وفي ألمانيا ريلكه ، واستمرت الأسطورة مؤثرة لدى شعراء أمريكا اللاتينية خلال القرن العشرين كما نجد عند أوكتابيوباث وبورخيس .
ويميز ميشيل بالينثيا بين وعيين عند ماركيز في " مائة عام من العزلة " الوعي الأسطوري والوعي العلمي ، بوصفهما أسلوبين لفهم العالم ، فالوعي الأسطوري مثل أي نسق فلسفي ، ما هو إلا نظرية للواقع .
ثم يتناول الدكتور حامد أبو أحمد روايتي " خريف البطريرك " و" الحب وشياطين أخرى " لمركيز ، بالتحليل كمثال بارز على تيار الواقعية السحرية
وكتاب " في الواقعية السحرية " للدكتور حامد أبو أحمد ، الصادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب ، يحدثنا عن هذا التيار الذي ملأ العالم شهرة ، وعن أشهر ممثليه ، وقد كان اهتمام أبو أحمد بهذا التيار ينبعث من أنه مازال يحتاج إلى فيض من الدراسات تتناول جذوره القديمة ، ونشأته الحديثة ، وازدهاره المثير للانتباه في بلدان أمريكا اللاتينية ، وكبار ممثليه في هذه القارة ، وغير ذلك من قضايا مهمة حاول الاقتراب منها على مستوى النظرية وعلى مستوى التطبيق. فالكتاب جهد متميز للوقوف على بعض الجوانب البارزة في الواقعية السحرية ، ولعله يسهم في التعريف بأدب اللغة الإسبانية خلال القرن العشرين ، وهو أدب كانت له أصداء عالمية واسعة .
في البداية يوضح لنا الدكتور حامد أبو أحمد التيارات التي أثرت في أدب أمريكا اللاتينية ، فمما هو معلوم أن الرواية في أمريكا اللاتينية مع الأجيال التالية لذلك الجيل الرائد خطت خطوات واسعة وحظيت بشهرة عالمية لا مثيل لها ، ولعل من الأوفق أن نتوقف ، بإيجاز شديد ، عند أربع حركات تجديدية أو اتجاهات بارزة هي : الواقعية الاجتماعية ، والتي تأثرت إلى حد ما بكتاب من أمثال إميل زولا وبلزاك وكلارين وجالدوس ومن أبرز ممثليها البيرواني خوسيه ماريا أرجيداس والمكسيكي كارولس فوينتس والبيرواني أيضاً ماريو بارجس يوسا. والاتجاه الثاني هو الواقعية النفسية ، وهي التي تستخدم تقنيات مرتبطة بالحلم ، وتعبر عن اللاشعور ، وتيار الوعي ، والخيال الجامح ، واستبطان الذات ، ومن أبرز ممثلي هذا التيار أدولفو بيوكاساريس ، وخوسيه روبن ورميرو ، وبدرو برادو ، وإدوارد باريوس . والاتجاه الثالث هو الواقعية السحرية ، ويمثلها جابرييل جارثيا ماركيز ، وخوان رولف ، وخوليو كورتاثار . والاتجاه الرابع هو الواقعية البنائية ، ولها تجليات كثيرة في الأدب الروائي في أمريكا اللاتينية لدرجة أن النقاد رصدوا فيها ما يقرب من عشرة اتجاهات منها التعبير عن القبح ، والتعامل مع اللغة وكأننا في معمل ، ومحاولة فهم الواقع المتعالي ، والقصة الجديدة أو اللاقصة ، والتعبير عن اللامنطق ، والتجديد الظاهر للواقع .. إلخ . وكل هذه الاتجاهات أثرت وتثري حالياً أدب أمريكا اللاتينية .
أما عن الواقعية السحرية في أدب أمريكا اللاتينية فإن ماريو بارجس يوسا يقول لا أحد يستطيع أن يعرفها بطريقة محددة وحاسمة ، فالبعض يقول إن أليخوكار بنتير هو أكثر من قدم هذا العالم الذي لا يمكن أن نسميه واقعياً ولا يمكن أن نسميه فانتازيا ، ومن هنا نشأ مصطلح " الواقعية السحرية " لكن الحقيقة أن كل قصاص ، في داخل هذا الإطار ، له عالمه الخاص ، فخوان رولف له عالمه المختلف ، وكذلك خورخي لويس بورخيس ، وكل منهما مختلف عن عالم ماركيز ، فعالم بورخيس مأخوذ من ثقافات متعددة ، على العكس من عالم ماركيز الذي يقتصر على الصنعة الروائية ، وهذا يعني أنه ليس هناك شكل واحد يجمع كل الكتاب في صفة واحدة .
ثم إن الواقعية السحرية ليست تراثاً خاصاً بأدب أمريكا اللاتينية ، ففي إسبانيا نجد في قصص الفرسان فانتازيا كثيرة مثلما نجد عند ماركيز ، كذلك في الأدب الألماني وفي الأدب الفرنسي ، ولعل ظهور عدد كبير من كتاب أمريكا اللاتينية في الخمسينيات هو الذي أدى إلى توثيق ارتباط هذا التيار بهم .
كذلك فإن الربط بين هذا التيار وأشياء أخرى كثيرة مثل الربط بين السحري والعجائبي ، أو بين السحري والأسطوري ، أو بين الواقعية السحرية والسيريالية ، وإذا كان التوسع كبيراً حول مفهوم الأسطورة وحول مفهوم السيريالية ، وحول مفهوم العجائبي ، فإننا ندرك إلى أي مدى يكون هذا المفهوم أكثر اتساعاً حول الواقعية السحرية ، ويقول الناقد الفرنسي الشهير تيفيتان تودوروف : إن وجود عناصر فوق طبيعية يمثل أحد المظاهر البارزة في رواية " مائة عام من العزلة " ، ولكن هذا العنصر فوق الطبيعي لا يتم تناوله هنا على نحو ما يحدث في الأدب العجائبي ، عالم الحكايات التي تسكن فيها الجنيات والحوريات والعفاريت ، وذلك لأن كتاب ماركيز يمثل عالمنا المعاصر ، وليس أي عالم آخر ، كما أن هذا العنصر لا يدخل ضمن الفانتازي ، وهو هذا العالم فوق الطبيعي الذي تؤدي مشاهده إلى إثارة الشكوك والتذبذب لدى الشاهد غير المصدق ، وذلك لأنه في " مائة عام من العزلة " لا أحد يشك في واقع الأحداث فوق الطبيعية .
وهكذا فإن الواقعية السحرية عند ماركيز تختلف عما هو واقعي وعما هو فانتازي ، مع ذلك فإن غالبية النقاد في أمريكا اللاتينية قد ربطوا بين السحري والعجائبي ، ومن هؤلاء خواكين ماركو .
لقد ظهرت الواقعية السحرية في فترة متقدمة من القرن العشرين ، ويتضح هذا من الأسماء التي مثلت هذا الاتجاه مثل أليخو كاربنتيير ، وميجيل آنخل أستورياس ، وبورخيس ، وخوليو كورتاثار ، وخوان رولف ، وماركيز ، ويقدم الدكتور حامد أبو أحمد نبذة عن كل واحد منهم في الكتاب .
ويفرق المؤلف بين الواقعية السحرية وثلاثة ارتباطات أولها : السحري والعجائبي ، وهو يرى رأي تودوروف في هذا الارتباط ، أما الارتباط الثاني فهو بينها وبين السيريالية ، أما الارتباط الثالث فكان مع الأسطورة ، أما فيما يتعلق بالصلة مع السيريالية ، فإن الصياغة الطاغية للدادائية والسيريالية حدثت خلال عقد العشرينيات من القرن الماضي ومعنى هذا أن مصطلح الواقعية السحرية من الممكن أن يكون قد صيغ في هذه الفترة ، ومن هنا يرى لانجويسكي أن هذه الصياغة في حد ذاتها تعكس الصلة القوية بينهما ، بالإضافة إلى أن السيريالية كانت تمثل المرحلة الأخيرة في المدارس الطليعية مثل: الابتداعية ، والمستقبلية ، والماورائية وغيرها .
أما عن الأسطورة وعلاقتها بالواقعية السحرية ، فإن الأسطورة لعبت دوراً في غاية الأهمية في الأدب والفن والثقافة بعامة خلال القرن العشرين حتى لقد أطلق بعض الكتاب على هذا القرن اسم "قرن الأسطورة" ، وقد رأينا الأسطورة تدخل في إبداعات الكثيرين منذ منتصف القرن التاسع عشر وربما قبل ذلك ، كما نجد عند البرناسيين في فرنسا ، ومن بعدهم الرمزيين ، وكذلك في الثقافة الإنجليزية عند إزرا باوند ، وبعد ذلك إليوت ، وفي إسبانيا نجد شعراء الحداثة وعلى رأسهم روبن داريو ثم لوركا ، وفي ألمانيا ريلكه ، واستمرت الأسطورة مؤثرة لدى شعراء أمريكا اللاتينية خلال القرن العشرين كما نجد عند أوكتابيوباث وبورخيس .
ويميز ميشيل بالينثيا بين وعيين عند ماركيز في " مائة عام من العزلة " الوعي الأسطوري والوعي العلمي ، بوصفهما أسلوبين لفهم العالم ، فالوعي الأسطوري مثل أي نسق فلسفي ، ما هو إلا نظرية للواقع .
ثم يتناول الدكتور حامد أبو أحمد روايتي " خريف البطريرك " و" الحب وشياطين أخرى " لمركيز ، بالتحليل كمثال بارز على تيار الواقعية السحرية