أوديب في الطائرة: رحلة أسطورية في سماء الثورة المصرية

بعد غياب امتد لثلاثة عشر عامًا، يعود الروائي الكبير محمد سلماوي إلى عالم الرواية مُحملاً بأسطورة إغريقية خالدة، ليقدم لنا عمله الجديد "أوديب في الطائرة". يأخذنا سلماوي في رحلة أدبية آسرة، حيث تتلاقى الأسطورة اليونانية مع الواقع المصري الحديث، لتُنسج حكاية تفيض بالرمزية والدراما والتأمل الفلسفي

أوديب في الطائرة: رحلة أسطورية في سماء الثورة المصرية

.

تدور أحداث الرواية حول شخصية أوديب، ملك طيبة الأسطوري الذي قُدّر له أن يقتل أباه ويتزوج أمه، حاملاً لعنةً جلبت الدمار لبلاده. يستدعي سلماوي هذه الشخصية المأساوية ويضعها في سياق معاصر، ليجعلها رمزًا للحاكم الذي تتقاطع مصائر شعبه مع قراراته. وبدلاً من طيبة القديمة، تتحول الطائرة إلى مسرح للأحداث، حيث يواجه أوديب - الذي يجسد الحاكم - غضب الشعب وتمرده، في رحلة جوية تتحول إلى استعارة للرحلة السياسية المضطربة التي تمر بها البلاد.

تتلاقى هذه الرحلة الرمزية مع أحداث الثورة المصرية عام 2011، حيث يتردد صدى غضب الشعب المصري وثورته على نظام الحكم في مواجهة الركاب لأوديب على متن الطائرة. يمزج سلماوي ببراعة بين الأسطورة والواقع، ليخلق حالة من التماهي بين مأساة أوديب الفردية والمأساة الجماعية التي عاشتها مصر خلال تلك الفترة. تتحول الطائرة إلى فضاء مغلق يختزل المجتمع بكل تناقضاته وصراعاته، حيث تتكشف حقائق الماضي وتتصارع الرؤى حول المستقبل

 

.

لا يكتفي سلماوي بسرد الأحداث، بل يغوص في أعماق الشخصيات، كاشفًا عن دوافعها النفسية وتناقضاتها الداخلية. نرى أوديب الحاكم الذي يصارع شعور الذنب والمسؤولية، والركاب الذين يعبرون عن آمالهم وخيباتهم، في لوحة فنية ترسم ملامح المجتمع المصري بكل تعقيداته.

تكمن براعة سلماوي في قدرته على خلق حوار فلسفي عميق من خلال هذه الرحلة الجوية. يناقش الرواية قضايا السلطة والعدالة، والحرية والمسؤولية، والقدر والإرادة الحرة. يُطرح السؤال الجوهري: هل الحاكم ضحية للقدر أم صانع لمصيره؟ وهل الشعب مجرد تابع للسلطة أم قادر على تغيير مجرى التاريخ؟

 

 

لا يقدم سلماوي إجابات قاطعة، بل يترك الباب مفتوحًا للتأويل والتفسير، مُشجعًا القارئ على التفكير والتساؤل. يصبح "أوديب في الطائرة" مرآة تعكس الواقع المصري، بكل ما فيه من تناقضات وأحلام وآلام، ويفتح بابًا للحوار حول مستقبل البلاد ومصيرها

 

.

أبعاد رمزية ودلالات:

الطائرة: ترمز الطائرة إلى الدولة المصرية، وهي في حالة من الاضطراب والانقسام، تحلق في سماء مجهولة الوجهة.

أوديب: يمثل أوديب الحاكم الذي يحمل أخطاء الماضي، ويواجه غضب شعبه الذي يطالب بالتغيير.

الركاب: يجسد الركاب الشعب المصري بكل أطيافه وتوجهاته، يحملون آمالهم وأحلامهم، ويعبرون عن غضبهم وإحباطهم.

الرحلة الجوية: ترمز الرحلة الجوية إلى مسار الثورة المصرية، بكل ما فيها من تحديات وصعوبات وآمال.

"أوديب في الطائرة" ليست مجرد رواية، بل هي رحلة فكرية عميقة، تستدعي الأسطورة لتُلقي الضوء على الواقع، وتطرح أسئلة جوهرية حول السلطة والحرية، والقدر والإرادة الحرة. إنها دعوة للتأمل في دروس الماضي واستشراف المستقبل، وتأكيد على أن عجلة التاريخ لا تتوقف، وأن الشعوب هي صانعة مصيرها