أفكار الثقافة وألآدب أفكار الثقافة وألآدب
random

آخر الأخبار

random
recent
جاري التحميل ...
مجرد انسانيقول...

نبذة مختصرة

وشاملة عن الكتاب

ديما مبدع ياتامر

فى اختيارتك

تحياتى

الغوص عميقا والصعود الى السطح



تنبعث أهمية كتاب كارول بي كريست " الصوفية النسوية "، الصادر عن دار آفاق للنشر والتوزيع ، من كونه هادماً لفكرة الموضوعية في النقد ، كما أنها تتحدث عن تجربتها أو اصطدامها بفكرة الموضوعية التي يتعامل معها الوسط الأكاديمي دوماً على أنها من المقدسات التي لا يجوز المساس بها ، إلا أن القارئ يفطن بالتأكيد إلى شكل مختلف للكتابة النقدية ، شكل يكشف عن انحياز عاطفي واضح للأعمال الأدبية الممثلة لرحلة النساء الروحية ، لكن هذا الأسلوب لا يعني أن هذا الكتاب هو نقد انطباعي يقدم تبريرات ولا يدلف إلى عمق الأعمال وينيرها للقارئ . لقد نجح الكتاب في بلورة فكرة انعكست في أعمال أدبية عديدة بدأت في الظهور منذ النصف الأول من القرن العشرين في أمريكا وأوروبا ، ألا وهي التعبير عن تجربة مختلفة للنساء واللجوء إلى لغة تحاول اللحاق
بفرادة هذه التجربة .
----------------------
وترى كريست أن قصص النساء لم تحكَ بعد ، ومن دون القصص لا تتجلى الخبرة أو تتبلور ، وتفقد المرأة طريقها عند الإقدام على اتخاذ القرارات الفاصلة في حياتها ، فالمرأة من دون القصص لا تعرف كيف تقيم نضالها وتعطيه قدر حقه ، ولا تستطيع أن تفهم المرأة نفسها وتظل غريبة عن خبرات النفس العميقة ، وبعيدة عن خبرات العالم التي تسمى الخبرات الروحية أو الدينية ، وإن تعبير السعي الروحي للمرأة هو تعبير يرتبط ارتباطاً وثيقاً بحكاية قصص النساء.
وتقول كريست إن الأدب الجديد الذي أبدعته النساء لديه كلا البعدين الروحي والاجتماعي ، وهو يعكس كلا من كفاح المرأة من أجل خلق طرق جديدة للحياة في هذا العالم ، وسعيها من أجل إيجاد تسمية جديدة للقوى العظمى التي تحدد توجهنا في هذا العالم . ومن أجل جذب الانتباه إلى البعد الروحي في سعي المرأة ، وهو البعد الذي يغفل أحياناً في خضم الانشغال بضرورة النضال من أجل أدوار اجتماعية جديدة ، وضعت كريست تفرقة بين السعي الروحي والسعي الاجتماعي . إنها تعتقد أن سعي النساء يبحث عن كلية توحد ثنائيات الروح والجسد ، العقل واللاعقل ، الطبيعة والحرية ، الروحي والاجتماعي ، الحياة والموت ، وهي تلك الثنائيات التي ابتلي بها الوعي الغربي .
------------------
وتعتقد كريست أن السعيين الروحي والاجتماعي هما بعدان لنضال واحد ، وهو نضال مهم للنساء ليكتسبن الوعي بالطرق التي يمكن أن تدعم بها الروحانية البحث النسوي المهمش عن المساواة الاجتماعية . وتقول إن السعي الروحي يركز على يقظة المرأة وانتباهها إلى أعماق روحها وإلى وضعها في الكون ، ويتضمن السعي الروحي للمرأة لحظات من التأمل والوحدة ، لكنه يقوى بالمشاركة ، وهو يتضمن طرح أسئلة أساسية : من أنا ؟ ولماذا أنا هنا ؟ وما هو مكاني في الكون ؟ وفي الإجابة عن هذه الأسئلة ينبغي على المرأة أن تنصت إلى صوتها الخاص ، وتصل إلى مصطلحات نابعة من خبرتها الخاصة ، وينبغي عليها أن تكسر العادات الثابتة والمتأصلة التي تقضي بالسعي إلى الحصول على الموافقة ، ومحاولة إرضاء الوالدين ، والمحبين ، والأزواج ، والأصدقاء ، ولكن ليس إرضاء نفسها أبداً .
-------------------
إن السعي الاجتماعي للنساء يركز على نضال النساء من أجل اكتساب الاحترام والمساواة والحرية في المجتمع : في العمل ، وفي السياسة ، وفي العلاقات بين النساء والرجال والأطفال . في البحث الاجتماعي تبدأ المرأة في حالة عزلة وانسلاخ عن المجتمع الإنساني ، وتبحث في صيغ وأشكال أخرى للعلاقة والعمل في المجتمع ، فهي تفتش لكي تجد علاقات جنسية غير جائرة ، رؤية جديدة للأمومة ، العمل الإبداعي ، الحقوق المتساوية في المواطنة . إن سعي النساء الروحي يهيئ التوجه للسعي الاجتماعي للنساء ، ويؤسس له على أرضية أرحب من الإنجازات الفردية أو حتى على مستوى المجموعات ، وعندما تبدأ النساء في تسمية خبراتهن الخاصة وتحديد العالم ، فإنهن يشعرن أحياناً بأن كل التاريخ وكل الطبيعة وحتى الآلهة تعمل كلها ضدهن ، فمعظم التاريخ رُوي من منظور السلطة الذكورية ، إن البحث عن الفروق البيولوجية بين الجنسين قد تكيف في اتجاه شرح وتبرير تحكم الرجال في المجتمع وسيادتهم له ، واستخدمت الآلهة في كل من ديانات الشرق وديانات الغرب لتبرير التفوق الذكوري في الأسرة والمجتمع والدين . وبينما يمكن لسعي النساء إلى إسقاط الأنماط القديمة أن يؤيده أحياناً تصميم داخلي مطلق ، إلا أنه في أحيان أخرى نجد أن القوى التي تتكاتف ضد السعي الاجتماعي للمرأة تبدو قوى طاغية لا سبيل إلى مقاومتها .
----------------
وترى كريست أن عند هذه النقطة يمكن للسعي الروحي للمرأة أن يدعم سعيها الاجتماعي ، وإذا تمرست امرأة على أن ترسخ سعيها المتغلغل في قوى الوجود التي هي أكبر من إرادتها الشخصية ، فإن هذه المعرفة يمكن أن تدعمها حينما يضعف تصميمها الشخصي الخاص ويخبو .
وعلى الرغم من أن السعي الروحي للمرأة ربما ينشأ من خبرة العدم ويكون هو الامتداد الخطي لها ، مروراً باليقظة ، إلى التبصر الصوفي والتسمية الجديدة ، إلا أن هذا الترتيب ليس ضرورياً ، فأحياناً تسبق اليقظة الوعي بخيرة العدم ، كما أن التبصر الصوفي يمكن أن يكثف من خبرة المرأة في العدم في الواقع التقليدي ، ولا ينبغي أن يفترض أن المرأة يمكن أن تنتهي أبداً من خبرة العدم ، فطالما أنها تعيش ـ وخاصة في مجتمع مركزي ذكوري ـ فإن خبرة العدم سوف تعاود الظهور ، إن لحظات سعي النساء هي جزء من عملية تشكل فيها خبرات العدم واليقظة والبصائر والتسميات ، فهماً لوبياً يتعمق دوماً لكنه لا ينتهي أبداًً .
وتؤكد كريست أن الصحوة غالباً من خلال التماثل الغامض أو التطابق الصوفي الذي تتهيأ النساء له في عمليات التناغم واتساق مع الجسد والأمومة ، فخبرت النساء الصوفية غالباً ما تكون هي الخبرة التي تتحقق في الطبيعة أو في مجتمع من النساء الأخريات ، ويعقب التيقظ تسمية جديدة للنفس والواقع اللذين يوضحان التوجه الجديد نحو تحقق الذات والعالم من خلال اكتساب الخبرة الخاصة بقوى الوجود . كما تؤكد أن نمط التطور الأنثوي يطرح مبرراً واحداً لتفسير أنه يسهل على النساء تحقيق الخبرات الصوفية أكثر من الرجال .
------------------
إن انبثاق الرؤية الثاقبة لارتباط النساء بالطبيعة ، في رواية عن السعي الروحي للنساء ، يبدو أنه يطرح إمكانية تحقيق النساء للقوة من خلال القبول بالأدوار البيولوجية الأنثوية ، فالتعرف التقليدي للنساء والطبيعة ، وهو تراث القهر ، يمكن أن يكون أيضا مصدراً كامناً للقوة والرؤية ، وكما كتب أحد النقاد فإن الرفض التام لتعريف النساء بالجسد والطبيعة ، يمكن أن يكون " تجاهلاً لذلك الجزء من أنفسنا ، الذي تركناه من أجل العناية والجري وراء هذا الاستقطاب الشديد ( للثقافة والطبيعة ) الذي كنا ضحاياه الأساسيين ، والأهم من ذلك هو أن هذا الاستقطاب الثقافي يمكن أن يقودنا إلى نوع من الانتحار النفسي الذي يصوره الجزء الأول من رواية " الصعود إلى السطح " لمرجريت أتوود .
إن علاقات النساء تتحدد داخل عالم حدده الرجال منذ قرون ، وإن النساء قد بدأن مؤخراً فقط في تحديد هذا العالم ، وتكشف لنا رؤية أدريان ريتش علاقات النساء مع الرجال عن عجز الرجال عن الشعور وافتنانهم بالسلطة والتحكم ، بينما تكشف علاقات النساء مع بعضهن البعض عن الطاقة التي بمقدورها أن تحول ثقافة القوة والموت إلى ثقافة الحياة والميلاد الجديد ، ولم يغب البعد السياسي في أشعار ريتش الحديثة ، إذ تجلى واضحاً للقراء الجادين لقصائدها ، فقد تجلى بوضوح لكلا الفريقين : هؤلاء الذين وجدوا السياسة عند ريتش مزعجة ومربكة ، وهؤلاء الذين وجدوا فيها هذا العنصر التنويري والتنبيهي ، إلا أن الروحي في قصائد ريتش لم يكن واضحاً بدرجة ملحوظة .
--------------------
وتقول ماري دالي إن النسوية ليست ببساطة حركة سياسية واجتماعية ـ بالرغم من أنها هي بالتأكيد كذلك ـ بل إنها أيضاً الرحلة الروحية التي تبدأ بـ " خبرة العدم " حيث تتشظى القيم التقليدية للطاعة والتقوى والولاء ، تلك القيم كانت تدعم النفس ، بالمقارنة مع الليلة المظلمة الغامضة للنفس . وحينما تتسلح بالشجاعة على أن ترى ، فإن الرؤيا الواضحة التي تواجه فراغ القلب في وجهات النظر التقليدية عن النفس ، تقود إلى بصيرة أنطولوجية ، إلى رؤيا جديدة أو كشف جديد لماهيتها التي تتطلب حينئذ تحديداً جديداً للنفس وللعالم .
وتنعت كارول دي كريست الشاعرة نتوزاك شانج بأنها شاعرة كالعاصفة تنفض زوابعها على الأرض ، حيث تجسد الخبرات العالية للنساء السود بلغة صادقة بسيطة حية ، تحكي قصة البنات الملونات بطرقها الخاصة في الحكي ، وعندما تؤخد قصائد من " من أجل البنات الملونات " ككل ، فإنها تصف الرحلة الروحية من خلال خصوصيات خبرة المرأة السوداء ، وفي هذه الرحلة تتعاقب متعة النفس ويأسها واستعادة تركيبها المزاجي حيث تدور في نوبات موسيقية دائرية بدلاً من التصاعد الخطي ، فنساء شانج يتحركن من خلال الأمل والإحباط والميلاد الجديد في الدوريات المتعددة للقصيدة
.

عن الكاتب

Tamer Nabil Moussa الزمان والمكان يتبدلان والفكر والدين يختلفان والحب واحد فى كل مكان /بقلمى انسان بسيط عايش فى هذا الزمان

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

أفكار الثقافة وألآدب