أفكار الثقافة وألآدب أفكار الثقافة وألآدب
random

آخر الأخبار

random
recent
جاري التحميل ...

رواية "نصف ساعة بالممر"

شيرين صبحي
 
 
 

 
 
 
 
 
 


   

الغلاف

ما إن تبدأ الحفلة حتى تلوذ " فاتيما " بجلباب أمها المبتل وهي تمسح البلاط ، والتي تنهرها بنظرات قاسية لكي تختبئ بالمطبخ حتى لا تقع عين أحدهم عليها، بعد أن فار جسدها .. الخوف عليها مازال يسيطر على أمها التي تبكى وهى تعطيها كسرة خبز مغموسة بعرقها طيلة النهار في بيوت الأغنياء وعزاب الخليج الأثرياء .. لا تتركها لحظة واحدة ولا تسمح لها على الإطلاق أن تشاركها عملها .

تسحبها الأم من يدها، وتنظر إليها في حسرة وحزن وتتمتم قائلة: "سبحانك يا رب.. قادر على كل شيء، آه.. لو تكمل الصورة وتتم نعمتك على وتعطيها قليلا من العقل كما أنعمت عليها في الحسن والجمال.. لكن حكمتك لا يدركها أحد، سبحانك يا رب".

" فاتيما " هي بطلة رواية " نصف ساعة بالممر " للأديبة أميمة عز الدين ، والصادرة عن دار الحضارة ؛ وتمر حياتها بأحداث درامية تنتهي بقتلها؛ والأحداث بمجملها تدين إهمال الآباء لأبنائهم وانشغالهم بجمع المال ، وتماهي العرب حينما يهاجرون في قيم الآخر الغربي بشكل يفقدهم هويتهم وأحيانا حياتهم ، وتدين كم اللامبالاة لدى بعض فئات المجتمع بأي قيم أخلاقية .

يعمل والد "فاتيما" كناسا في شوارع المحروسة ومرتبه بضعة جنيهات لا تكفيه الخبز الحاف، لذا يلح عليه أخوه أن يستقر في الكفر، لكن الأم يصيبها الرعب من فكرة الرحيل من مصر، حيث تخدم بلقمتها وهدمتها كل من هب ودب بالدار، بدون أجر، بينما سيعود الأب للفأس الذي نسى كيف يمسكه ويعزق الأرض ويشتغل أجيرًا عند كبارات الكفر .


معنى الستر

لم تفهم "فاتيما" معنى الستر إلا عندما قابلته، وحاول أن يقل لها كلمات غريبة لم تألف سماعها من قبل، وتمنى أن تترك العالم كله وتعيش معه " ولو بدون مأذون " ، فهو غنى ولديه شقة أخرى بعيدا عن أعين أهله الذين يتمتعون بالثروة والجاه والسلطان.

كانت الأم تنظر لابنتها على أنها متخلفة عقليا، خاصة أنها تأخرت في الكلام والمشي وهي صغيرة بسبب مرض الصفراء التي أصيبت بها بعد الولادة.
وفي يوم اصطحبتها لإحدى الشقق بحي الزمالك، كانت لشاب وحيد سافر والداه خارج مصر ، وقد اتفق مع " سيدة " على تنظيف المنزل .

وفي حين توقفت الأم في منتصف الصالة توزع نظراتها على الأثاث وعليه وعليها، أحكمت يدها على ابنتها وهي تشاهد الشاب يقول لابنتها ضاحكا " معقولة، البنت الحلوة دى بنتك يا سيدة!". تلمح الأم المكر في عينيه وتحاول البحث عن مخرج، فتتدعي إصابتها بالزائدة، فيأخذها "عمر" إلى المستشفى، وهناك تقول الأم أنها قد شفيت وربما كان بعض المغص، ولكن "عمر" يصر على أن تتم لها الفحوص اللازمة ويتحدث مع الأطباء، ثم يعود وبصحبته ممرضة راقية، فيهمس في أذن "فاتيما": "ماما تعبانة ولازم تعمل عملية الزائدة حالا".. بينما يطلب من الصغيرة في لغة ظاهرها الحنان أن تنوب عن الأم في تنظيف المنزل متعللا بزيارة ضيوف لمنزله ليلا ، ويجذب يدها لتركب معه السيارة ..

الوحل

في المنزل يراود "عمر" "فاتيما" عن نفسها ثم يخدعها بأنه سيكتب لها ورقة بأنها زوجته، وبينما تصر الفتاة على أن ما يريده منها سيجلب العار لأبوها ويضع رأسه في الوحل بين الناس ، وقالت في سذاجة أنها تحبه ولكنها تحب الله أكثر وتريد دخول الجنة .

تعجب " عمر " من تفكيرها ووداعتها التي تجعلها أميل لطفلة من امرأة ، جلس إلى جوارها يحكي لها عن ماضيه وخطيئته الأولى مع ابنة الخادمة النوبية ، وتذكر كيف أن والديه حينما علما بالأمر لم يكلف أحدهما خاطره بتوبيخه أو نهره ، وإنما على العكس لمح الفخر في عيني ابيه والتشجيع الصامت في عيني أمه لإثبات رجولة المبكرة ! . نشأ " عمر " لا يدرى معنى للحزن أو الفرح ، ولتيسر ظروف الأسرة لم يحمل هم حياته وضمن أن تسير بلا جهد ، وما أزعجه أن ابنة الخادمة النوبية قد ماتت مقتولة وكان الفاعل مجهولا ، فأدرك أنه تسبب بقتلها بفعلته.

ولكنه يعود ليراوغ الفتاة الجالسة إلى جواره " فاتيما " ، ورغم توسلاتها ومحاولات المقاومة من جانبها اندفع كذئب يفترس جسدها ، وحينما تيقن الصغيرة أنها لم تعد عذراء حاولت إلقاء نفسها من منور المطبخ ، ولكنه منعها وأقسم أنه لن يتخلى عنها أبدا .


  




الضحية والجنون

تعود "فاتيما" فتتحامل الأم على ألم الجرح ببطنها بعد الجراحة ، وتأمرها أن تسير خلفها، وقد علمت ما حدث لها، وفي سكون الليل دفعتها بقوة أمام مقطورة لينتهي أمرها، وتنجو من الفضيحة والعار، ولكن سائق المقطورة يتفاداها، فتعتبرها الأم معجزة وتوقن أن ابنتها بريئة ولا ذنب لها فيما حدث لكنها ضحية "عمر".

يذهب "عمر" إلى صديقه بهاء ويخبره بما حدث، ثم يندفع بكل طاقته يبحث عن بيت "فاتيما"، وعقد العزم على أن يتزوجها عرفيا في أي مكان تختاره، ، على ألا يعرف أحد بأمر زواجه.

يدرك الأب ما حدث لابنته فيأخذها من خلف أمها ويقتلها، ثم يعود إلى البيت ويجلس على حافة السرير، يسرد ما فعله في حرفية ودقه، جعلت الأم تصرخ وتجرى إلى المطبخ تحضر سكينا كبيرا .. وفى لحظة تخيلتها " سيدة " دهرا كاملا وقفت أمام زوجها في ثبات، وهوت على عنقه حتى سكن الجسد ومات وهو جاحظ العينين.

يعود "عمر" إلى والدته يخبرها بمقتل "فاتيما" يلومها أنها علمته أن كل شيء مباح ورغباته بدون لجام، فتغضب الأم وتخبره أن والده في طريق تغيير وزاري، وتطلب منه السفر إلى أمريكا للعيش هناك مع عمه الذي يستطيع أن يخطط له حياته.

وفى الصباح اقتيد عمر من يده كأنه طفل صغير بواسطة أحد معاوني أبيه بالوزارة، واطمئن لصعوده بالطائرة المتجهة إلى أمريكا.

كانت الوحيدة التي تعرف بأمر "سيدة" وتتكتمه هي الداية مسلمية، والتي تشفق عليها من عقوبة الإعدام شنقا فتهمس في أذنيها باصطناع الجنون، ولم تكن "سيدة" تحتاج نصيحة مسلمية المخلصة، لقد ذهلت عن الدنيا ولم تعد تشعر بأي شيء.

بلاد الحرية

يصل "عمر" إلى أمريكا فلا يجد عمه في انتظاره بل وجد نفسه محاصرا في غرفة ضيقة، يؤمر بخلع ملابسه والتعري تماما للتأكد من أنه ليس ذلك العربي الذي يطاردونه منذ 11 سبتمبر.

كان وجوده في تلك الحجرة التي تشبه الدائرة السوداء جعلت "فاتيما" تتجلى له كروح معذبة تسيطر على تفكيره وأنها تطلب الثأر من روحه. وتأكد أنه لن ينجو بفعلته فها هو العقاب يهبط عليه من السماء كالطير الأبابيل.

يشعر "عمر" أنه في طريقه إلى جهنم على طريقة الأمريكان، لن يرى وجهه بالمرآة بعد الآن، وسيقضى بقية حياته في سجن جوانتنامو أو إلى أي سجن بعيد لا يعرفه أحد. ولكن يقوم أحد الرجال بالمطار بمساعدة "عمر" ويطلب منه أن يمثل دور المغشي عليه حتى يحاولون إسعافه للإفلات من هذا القدر الذي ينتظره.

يتلقفه عمه في إشفاق وترحيب، فيطلب "عمر" الذهاب إلى "نورث ريدج" وعدم الذهاب إلى البيت، ولكن عمه يدرك أنه يعانى اضطرابا نفسيا من أثر ما حدث له بالمطار واحتجازه ثلاثة أيام كاملة، ويصر على اصطحابه معه وعدم تركه وحيدا ، ويتأكد من إحساسه بعد أن يرى ابن اخيه يسبه ويناديه وكأنه أبيه وليس عمه .

على وشك الاعتزال

يلتقي " عمر " بـ" سارة " ابنة عمه التي تعيش حياة حرة ولكنها مع هذا تشعر بالوحدة والنفور من المجتمع الأمريكي ، وخاصة أن أي من الأمريكيين كان يرغب عنها حينما يعلم أنها من اصول عربية ، ولذلك وجدت في ابن عمها ضالتها المنشودة وتعلق به قلبها وكانت حياته شبيهة بها مليئة باللهو .

الغريب أنها اتخذت قرارا أكيدا بعدم الزواج من ابن عمها أو أي رجل شرقي ، ولكنها من أعماق نفسها كانت تتمنى أن يسعى عمر إليها وترفضه مرة بعد مرة ويصر عليها ثم تمن عليه لتنقذه من عذابات الوحدة.

حينما تعلم بأنه قد سقط مغشيا عليه وذهب للمستشفى ، تلح " سارة " على أبيها لزيارة ابن عمها ، ولكن ما إن تصل للمستشفى حتى تفاجأ بنظرة السخرية من المحيطين وهم يرونها تطلق ضحكات هستيرية وتشاهد رجلا ممددا أمامها لا حول له ولا قوة !

يضطر العم رشدي إلى إبلاغ أخيه بما يحدث لابنه، لكن الغريب أن أخاه المشغول بمنصبه الوزاري و زوجته لم يحاولا إطلاقا الاتصال به للاطمئنان على وصوله بالسلامة أو السؤال عنه، كأنهما استراحا لهذا الهم الثقيل الذي انزاح عنهما.

تصور المؤلفة جانبا من نمط الحياة الأمريكية الحرة ؛ فحينما تبدأ " سارة " في شرب الخمر يسألها والدها عما بها فتقول له "ما حصلش حاجة يا داد، أنا باحاول أعيد حساباتي، خد عندك، أنا قررت أسيب الفيلا الرهيبة دى وأعيش لوحدى وماتتفاجأش لو لقيتنى مصاحبة واحد وعايشين مع بعض ". لم يدر الأب بنفسه إلا وهو يصفعها، ولكن الأم تنضم لابنتها وتتهمه بالرجعية والقسوة !.

الزلزال

كان مجيء "عمر" بمثابة الزلزال الذي نسف كيان أسرة "رشدي" الصغيرة، وقد عرف الآن أنه لا يختلف كثيرا عن أخيه بمصر، فعالم ابنته لم يطرقه إلا مجبرا الآن، وقد ظن أن لقاءهما على مائدة واحدة وتبادل عبارات مألوفة قد ضمن له صورة الأب المثالي الذي يتفانى في إسعاد أسرته والاهتمام بشئونها
وفى غمرة تأملات "رشدي" رن هاتفه المحمول، إنها المستشفى التي يرقد فيها "عمر" ، أمر السائق بالإسراع بالسيارة حيث يرقد عمر، وناوشته ظنون شتى كلها تدور حول الموت، إن ابنته تدفعه الآن للموت وزوجته وكذلك يفعل ابن أخيه، كل على طريقته.

يخبره الطبيب أن "عمر" لم يمت لكن العجيب أنه انتكس بسرعة ودخل في غيبوبة عميقة بدون مقدمات .. يجس عمه جلده بيده، فيجده مازال دافئا لكنه يدرك بفطرته أن "عمر" لن يعود أبدا بعد كل ما مر به من صدمات ، مثلما ابنته التي فقدها للتو.

أما "سارة" فتجهش في بكاء حاد، وهي تخاطب صديقها " آدم " لتخبره أنها لا تريد حملها منه، ولكنه يصفعها بقوة قائلا : لم تعودي صغيرة على النواح .. إنه ثمن الرغبة ويجب أن تدفعي الثمن صاغرة يا صغيرتي .

كانت الشمس تميل للغروب، عندما سارت "سارة" على غير هدى وشعرت أن جسمها يحتاج للماء، ورغم عشقها للسباحة إلا أنها تركت جسدها يغوص مندفعا لقاع المحيط الذي بدا لها بعيدا وعميقا، وخيل إليها أن الشمس تبتلع القمر

** أميمة عز الدين قاصة وروائية مصرية، عضو اتحاد كتاب مصر، نشرت أعمالها في العديد من الصحف والمجلات المصرية والعربية، والمواقع الالكترونية المتخصصة. وصدر لها "الحرير المخملي"، "نصف ساعة بالممر"، "ليلة الوداع الأخيرة ، فازت مؤخرا بجائزة إحسان عبدالقدوس للقصة القصيرة .

عن الكاتب

Tamer Nabil Moussa الزمان والمكان يتبدلان والفكر والدين يختلفان والحب واحد فى كل مكان /بقلمى انسان بسيط عايش فى هذا الزمان

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

أفكار الثقافة وألآدب